يناقش هذا الجزء الأول من تدوينة من جزئين بعنوان حساسية النزاع أكثر أهمية في أوقات الأزمات الأسباب التي تجعل من حساسية النزاع أكثر ضرورة في سياق الأزمات المضطربة والمتقلبة، بينما يستعرض الجزء الثاني مجموعة من الأفكار العملية والأدوات التي تساعد المانحين والمنظمات الإنسانية على أن تصبح حساسة أكثر للنزاع خلال الأزمة السياسية الراهنة في السودان.
بينما تنجلي الأزمة السياسية في السودان، يبذل العاملون في العون الإنساني جهداً إضافياً لفهم ديناميكيته، واتخاذ التدابير الضرورية المتعلقة بعملياتها وبرامجهم لعبور الأوضاع المضطربة وتجنب التسبب بأضرار. وهذا أمر ظل يتعين على العاملين في العون الإنساني على الدوام القيام به مرات عديدة وعلى مدى أعوام عديدة في السودان، وبذلك توفرت العديد من الدروس والعبر من الماضي والتي بوسعنا – ويجب علينا حتما – التعلم منها.
لماذا حساسية النزاع مهمة أوان الأزمة
على العون أن يتجنب تغذية النزاع. أوان الأزمات، يواجه العون الإنساني مخاطر أن يتم استغلاله من قبل أطراف النزاع وفي ذات الوقت تواجه المنظمات الإنسانية ضغط مواصلة توصيل المساعدات بينما يتعين عليها سحب فرقها الميدانية وعملياتها بفعل الأسباب الأمنية. ويمكن أن يقود هذا إلى تقليل نطاقها في وقت تواجه فيه المجتمعات قدراً أكبر من انعدام الأمن، والمؤسسات المدنية التي ينبغي أن أن تؤدي واجبها في المحاسبة تكون تحت التهديد، وربما يطمح أطراف الصراع إلى السيطرة على الموارد والخدمات لأنفسهم. وربما يكون تجار التجزئة ومزودي الخدمات العاملين مع العون الإنساني، بما في ذلك خدمات الدعم اللوجستي والأمني مملوكة أيضاً لأطراف النزاع. الدعم غير المتعمد من قبل العون الإنساني لأطراف النزاع في أوقات الأزمة بوسعه أن يصبح ليس فقط مصدراً مغذياً للصراع الراهن، بل أيضاً يصبح مهدداً في أوقات الإستقرار.
يتعين على العون الإنساني أيضاً تفادي شرعنة أحد أطراف الصراع. يستمد القادة المحليون الذين يشكلون جزءاً آلية توصيل المساعدات، واختيار المستفيدين منها، يستمدون السلطة والشرعية من تلك العلاقة. في بعض الأحيان، ربما يحققون فائدة مادية، أو بتوجيه المساعدات لمصلحة مؤيديهم. وربما تمتد هذه الشرعية إلى السياسات والمواقف التي يساندونه. وفي أوقات الأزمات، كما في الأوقات الأخرى، يتعين على الفاعلين الإنسانيين اختيار العمل مع منظمات تساعد على تعزيز المحاسبة والمساءلة أمام الشعب السوداني.
العون الإنساني الحساس للنزاع يساعد في تحسين قدرات المجتمعات على إدارة التوترات الاجتماعية والنزاعات. التوتر والنزاع يفضيان إلى تعاظم الحاجة للمساعدات الإنسانية، بسبب تحجيم الوصول إلى الأسواق، والمراعي، ومصادر المياه، والمزارع، والتجارة مع المجتمعات المجاورة، بالإضافة إلى غياب دور شبكات الدعم والتكافل الإجتماعي. يساهم العون الإنساني الحساس للنزاع في تعزيز اعتماد المجتمعات على ذاتها، وديناميكيات صحية للتعاون بينها، مما يؤدي إلى عون إنساني فعال، وفي نهاية الأمر تقل الحاجة إلى مساعدة خارجية. وتبني روابط اجتماعية قوية يعني أيضاً سرعة وفعالية إنهاء النزاع، فلا تتصاعد وتقود بدورها إلى النزوح، والقتل والتدمير.
على العون الإنساني أن يوازن بين الطلب الملح في المدى القصير، وبين تأثير النزاع على المدى البعيد. في أوقات الأزمات، يواجه العاملين في العون الإنساني معضلات تزداد تعقيداً. حيث يتعين علينا أن نتخذ قرارات صعبة، حول متى وكيف نتدخل، بينما لا تتوفر لدينا المعلومات الكاملة، والسبل التي لا تقود إلى أن تذهب جهودنا سدى، أو تعود بالضرر. على متخذي القرار من المستويات العليا، بالإضافة إلى الفريق الميداني، أن يحظوا بالوقت الكافي لتحليل أثر القرارات المناسبة للعون الإنساني، ليس فقط الأثر الآني، ولكن أيضاً التأثير طويل المدى، لضمان أن الاستجابات الطارئة اليوم لن تقود إلى تأجيج المزيد من النزاعات في مقبل الأيام.
نشر مبادئنا وقيمنا. تركيز الإدارة العليا رفيعة المستوى للمانحين والمنظمات، على تعزيز قيم حساسية النزاع يبعث برسالة قوية إلى جميع الشركاء والفاعلين المحليين بأن العون الإنساني يجب أن لا يغذي أو يطيل أمد النزاع، سواء كان عن طريق اثارة التوترات المحلية أو تغذية جذور القضايا المسببة للنزاعات. وهذا الأمر بالغ الأهمية على طول سلسلة توصيل المساعدات، في القرارات المتخذة في تلك المستويات المختلفة قد يؤثر على تفاعلات العون الإنساني مع .النزاعات الدائرة في السودان