آثار العزلة:
لا تزال “منطقتا” جنوب كردفان والنيل الأزرق، معاقل طويلة الأمد لجيش / الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال (SPLA / M-N) ، متأثرة بشدة بالنزاعات والصدمات، ومعزولة عن بقية البلاد. كلتا المنطقتين تشكلان جزءًا من “أطراف” السودان، المستبعدة تاريخيًا من مؤسسة النخبة في الخرطوم وجزءاً كبيراً من الاستثمار الاقتصادي الذي تسيطر عليه. ظلت المنطقتان مرتعًا لمعارضة الدولة، وكانت ساحة معركة للحملات العسكرية الحكومية ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان.
على الرغم من عملية المد والجزر والتدفقات ومبادرات السلام المتقطعة، إلا ان هذه النزاعات ظلت مستمرة دون حل، مما يتيح للمظالم الموجودة مسبقًا الإستمرار في التفاقم والانتشار. وبينما توجت الخطة الأمريكية ذات المسار الخماسي بوقف إطلاق النار من جانب واحد بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال في عام 2017 ، إلا أنها تسببت في انقسام الأخيرة إلى فصيلين ، الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال جناح الحلو، والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال جناح الجبهة الثورية، وذلك نتيجة للخلافات حول استراتيجية التفاوض، مما أدى إلى تفاقم التوترات الداخلية. أدى هذا الانقسام إلى تعقيد جهود المصالحة منذ ذلك الحين، أبرزها اتفاقية جوبا للسلام، التي وقعتها الجبهة الثورية السودانية ومقرها في قولو، جنوب النيل الأزرق ، ورفضتها الحركة الشعبية لتحرير السودان-جناح الحلو المتمركزة في جنوب كردفان ويابوس بالنيل الأزرق، الأمر الذي زاد من الوقيعة بينهما وعمل على دق إسفينًا آخر بينهما.
وقد أدى تطور الصراع إلى إضعاف الوسائل المتاحة للمجتمعات للتعامل مع الأزمات والصراعات. فالسلطات القبلية، على سبيل المثال، ضعفت وتضاءل دورها في الحكم بسبب أن الأولوية قد جعلت للنزاعات في المنطقتين، مما قوّض قدرتها على حل النزاعات و والجرائم المحلية. وفي الوقت نفسه، تعرضت البنية التحتية الضعيفة اصلا للضرر والإهمال وفرضت قيود حكومية شديدة على المساعدات الإنسانية للمنطقة، وقد كافحت منظمات الإغاثة الدولية لدعم المجتمعات المحلية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الشعبي لتحرير السودان / شمال.
تشكل القيود المفروضة على وصول وتسليم وتنفيذ العمل الإنساني خطرًا متزايدًا على تقديم المساعدات الدولية لتكون أداة تستغل من أجل مكاسب اقتصادية أو اجتماعية أو موارد لأطراف النزاع. تميل الجهات الفاعلة في مجال المساعدات الدولية إلى العمل عن بُعد، مع إشراف ومعرفة محدودة بالسياق المحلي. توجد قيود على عمليات اختيار المستفيدين والشركاء في مناطق الحركة الشعبية والحكومة، على الرغم من أن هذا متفاوت بصورة كبيرة ويختلف من سياق إلى اخر، وان القيود ليست سائدة حاليًا في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية.
الا انه، وعلى الرغم من أو حتى بسبب الغياب النسبي للمساعدات الدولية في المنطقتين، فقد طورت المجتمعات العديد من آليات المرونة والحماية الذاتية للمجتمع لمساعدتهم على البقاء في مواجهة الأوقات الصعبة للغاية وقد نجحت هذه الاليات واستمرت تعمل بشكل جيد، حتى وان كانوا مهددين بوصول شركاء إضافيين وموارد وعائدين. وتختلف هذه عن المشاركة المنظمة للأغذية والموارد بين أعضاء المجتمع من ظهور منظمات المجتمع المدني، والجمعيات النسائية التي تقوم بتنفيذ مجموعة واسعة من الأنشطة من تقديم المساعدة إلى بناء السلام المحلي للاستجابة للاحتياجات الفورية ومطويلة الأجل للمجتمعات.
حماية ودعم أنظمة العمل المحلية:
يجب فهم المبادرات الحالية ذات القيادة المحلية، والبناء عليها ودعمها بدلاً من استبدالها. ولكن لسوء الحظ، فإن البرامج الكبيرة غالبًا ما تجد صعوبة في الاستثمار في الأنظمة ذات القيادة المحلية، حتى تلك التي أثبتت نجاحها عملياً. من المعتاد أن الجهات الفاعلة في مجال العون أن تقوم بتصميم برنامجها بصورة مسبقة، من على البعد ، ومن ثم فرضه بشكل كبير على المشهد الحالي للأنظمة المحلية للمساعدة الذاتية والإغاثة. وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى تقويض آليات مرونة المجتمعات المحلية وإلى انهيارها في بعض الحالات. عندما يتم توظيف المنظمات المحلية كشركاء ، فإنها نادرًا ما تكون قادرة على المساهمة بشكل هادف في الإستراتيجية أو المنهج ، ويتم حصرها في الأدوار التشغيلية.
تتحدث الصفقة الكبرى بشكل خاص عن ضرورة دعم مثل هذه المبادرات والمنصات والشراكة معها – دون تقويضها. هناك فرص ومخاطر جدية تتعلق بحساسية النزاع لمنظمات الإغاثة العاملة أو التي تخطط للعمل في المنطقتين. يجب أن نفكر أكثر في مفاهيم التضمين، والشراكة مع النظراء المحليين الذين يعرفون التاريخ والتقاليد واللهجات وآلية صنع القرار لكل منطقة – واغتنام الفرصة للتعلم مما هو فعال وما كان فعالًا دون دعم دولي خلال العشر سنوات الماضية.
تشمل العوامل الرئيسية التي يتوجب على الجهات الفاعلة في مجال المساعدة مراعاتها عند التعمال مع المنطقتين ما يلي: