تعرضت أنظمة إيصال المساعدات في السودان إلى حالة من الفوضى بسبب حجم ديناميكيات الأمن وطرق الوصول الجديدة الناشئة عن اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق في أبريل[i]. ففي حين أن البنية التحتية لقطاع العون بحاجة إلى إعادة بناء، فإن الحاجة إلى العون والمساعدات أكبر من أي وقت مضى، حيث يحتاج 24.7 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية. ويمثل هذا تحدياً على المدىين القصير والطويل معاً. حيث يحتاج نظام المساعدة الآن إلى أن يكون قادرًا على الوصول والعمل بفعالية في جميع أنحاء هذا البلد الكبير، في سياق ذوبنية تحتية ضعيفة ومستويات عالية من انعدام الأمن. ومع ذلك، فإنه من المرجح أن تؤدي القرارات التي تم اتخاذها الآن بشأن بنية نظام المساعدات في السودان إلى إيجاد اتجاهات وأنماط ستترسخ وتتوطد بمرور الوقت، وبالتالي تشكل خيارات طويلة الأجل لكيفية تقديم المساعدات في السودان.
ظل هيكل المساعدات الدولية في السودان مركزياً على مر التأريخ. فقبل أبريل 2023، كانت مقرات رئاسات معظم منظمات المعونة والمساعدات الدولية يوجد في الخرطوم، وكان جميع المانحين وغالبية كبار موظفي المنظمات الدولية غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة يعيشون هناك[ii]. وهذا يعكس مركزية الدولة والاقتصاد السوداني أيضًا؛ كما كانت مقرات نسبة عالية من هياكل السلطة والاستثمارات والنشاط الاقتصادي في السودان في الخرطوم. وفي الوقت الذي جلب فيه هذا التركيز للقوة والتنمية الأمن والمرافق ووسائل الراحة (لسنوات عديدة)، إلا أنه رافق ذلك وقابله كذلك مستوى عالٍ من سيطرة الدولة على قطاع المساعدات، وساهم في التهميش المستمر لأطراف السودان.[iii]
يكافح قطاع المساعدات الدولية في الوقت الراهن بشأن كيفية إعادة بناء نفسه بعد أن اجتاح العنف الخرطوم في وقت سابق من هذا العام، مما دفع معظم المنظمات إلى نقل مقارها وإعادة تشكيل استراتيجياتها. انتقلت العديد من منظمات المساعدات الدولية إلى بورتسودان، وهو خيار يبدو منطقيًا لقاعدة عمليات جديدة للجهات الفاعلة في مجال المعونة من بعض النواحي، نظرًا لموقعها على البحر الأحمر وبنيتها التحتية الحالية. وتعمل العديد من الجهات الأخرى من البلدان المجاورة، أو من مقارهم في أماكن أخرى من العالم. هناك أيضًا مبادرات لفتح عمليات عبر الحدود، خاصة من تشاد إلى دارفور. في إطار هذا السياق، تم قذف الأنماط القديمة للمركزية داخل قطاع المساعدات في الهواء، وهي الآن في طور الهبوط في بعض الأنماط الجديدة: عودة بطيئة محتملة إلى نظام مركزي للغاية مقره في بورتسودان (في الوقت الحالي)، أو التحول إلى نهج أكثر لامركزية يعمل مع مبادئ الإدارة على أساس المنطقة في أجزاء متعددة من البلاد.
تكاليف وفوائد لامركزية المعونة
قد يكون المنهج اللامركزي للمساعدات أكثر تكلفة، سواء من حيث البنية التحتية المادية الجديدة المطلوبة في المواقع دون القومية وكذلك من حيث تصميم وإنشاء مستويات جديدة من التحليل التنسيق واتخاذ القرار. ولكن هناك أيضًا فوائد محتملة وهي:
دروس من جنوب السودان
قام نظام العون والمساعدات في دولة جنوب السودان مؤخرًا بتجربة الإدارة على أساس المناطق بطرق قد تقدم بعض الدروس الأولية للجهات الفاعلة في مجال المساعدات في السودان[v]. حيث تشير التجارب هناك إلى أن أجسام التنسيق القائمة على المناطق في مواقع جغرافية محددة يمكن أن تتحمل المسؤوليات التالية:
التنسيق والتواصل مع السلطات المحلية والمجتمع المدني المحلي والمجتمعات المحلية بغرض التصميم والتخطيط والتقييم والتعلم من أنشطة المساعدة في تلك المنطقة. يجب أن يكون توطين المساعدات هدفًا رئيسياً هنا، والسعي إلى دعم الهياكل المحلية الفعالة الموجودة، بدلاً من استبدالها أو تقويضها.
يمكن للمانحين استكمال العمليات اللامركزية من خلال تكليف موظفين أو فرق محددة “لتغطية” المناطق الجغرافية، وبالتالي تحسين التحليل واتخاذ القرارات السياقية، مما يتيح مجالًا أكبر للمشاركة عبر مختلف الإدارات والمكاتب المانحة.
ومن منظور الحساسية تجاه النزاعات، فإن المساعدات اللامركزية لا تتعلق فقط بجعل المساعدة أكثر كفاءة وفعالية؛ وانما تتعلق أيضًا بتحويل تركيز المساءلة من التركيز التنظيمي الخالص أو المتمحور حول المقرالرئيسي إلى التركيز المجتمعي. وتعتبر هذه نقلة نوعية يعتقد الكثيرون في قطاع المعونة بضرورتها وأهميتها، على الرغم من صعوبة تحقيقها. ووربما لا يزال من الممكن بسهولة أن يسود المنهج اللامركزي في السودان المنظمات الكبيرة الخاضعة للمساءلة أمام المانحين، لذا فهي ليست قادرة بمفردها على تغيير النموذج – لكنها قد تكون خطوة في الاتجاه الصحيح.
[i] العديد من قضايا الوصول والأمن والتحكم التي تواجه العاملين في قطاع العون استمرلت عقود، ولكن حجم وتأثير اندلاع هذا العنف الأخير أدى إلى تحديات جديدة. https://www.thenewhumanitarian.org/analysis/2023/06/29/obstacles-aid-pile-sudans-conflict-rages
[ii] هناك استثناء ملحوظ للمساعدات التي يتم إيصالها وتسليمها في المنطقتين. لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع: النزاعات والعون الإنساني في المنطقتين: تمهيد
[iii] بينما تدور هذه المدونة حول بنية المساعدات الدولية، فانه من المهم ملاحظة أن العديد من الجهات المحلية الفاعلة في مجال العون الانساني، والعديد من منظمات المجتمع المدني والمجتمعية التي تقدم المساعدات الآن، موجودة منذ فترة طويلة في مناطق في جميع أنحاء البلاد، على الرغم من أن بعضها كان متوافقًا بشكل وثيق مع الأنظمة السابقة.
للمزيد يرجى الاطلاع على ورقة وحدة حساسية النزاعات حول التوطين (بالانجليزية، سيتم نشر الترجمة العربية قريباً)
https://dzo.kei.mybluehost.me/library/making-sense-of-localisation-in-sudan/
[iv] ناشد مات. مع احتدام حرب السودان، اتهام الأطراف المتناحرة بتحويل مسار المساعدات ونهبها. الجزيرة. 16 يونيو 2023. https://www.aljazeera.com/news/2023/6/16/as-sudan-war-rages-rival-sides-accused-of-looting-diverting-aid (بالانجليزية)
[v] سعت عدد من المبادرات، منذ العام 2018، إلى حشد المانحين ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية من خلال البرمجة على أساس المناطق لدعم قضايا القدرة على مواجهة الأزمات والتعافي والاستقرار وبناء السلام. وتشمل هذه الشراكة القدرة على مواجهة الأزمات والتعافي (PfRR) ، والصندوق الاستئماني للمصالحة والاستقرار و القدرة على مواجهة الأزمات (RSRTF) والشراكة الناشئة لبناء السلام والقدرة على مواجهة الازمات والتعافي (PfPRR).