هذه المدونة هي جزء من سلسلة “معضلات وصول العون الانساني، والعمل المحلي وحساسية النزاعات منذ ابريل 2023” والتي تعرض وجهات نظر مختلفة مهمة للاستجابة للمساعدات المراعية لحساسية النزاعات في السودان. ولا تعكس منشورات المدونة هذه بالضرورة آراء وحدة حساسية النزاعات، ولا آراء جميع الجهات الفاعلة المشاركة في الاستجابة. ومع ذلك، نأمل أن تساهم هذه السلسلة في المناقشات الجارية حول الاستجابة للمساعدات وأن تشجع قطاع العون على تقييم الآثار الأوسع لأفعاله على تعزيز السلام في السودان.
بعد مرور أكثر من ستة أشهر على اندلاع أعمال العنف، لا تزال هناك مخاوف جدية بشأن الوصول الإنساني تعيق تدفق المساعدات في السودان. على سبيل المثال، توقفت منظمة “أطباء بلا حدود” عن دعم العمليات الجراحية في أحد مستشفيات الخرطوم الشهر الماضي بسبب حظر تصريح نقل الإمدادات.
يحق للمدنيين المتضررين من أي نزاع الحصول على المساعدات. يمكن لبعثات تقصي الحقائق أن تساعد في المساءلة عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي، ولكن للعاملين في المجال الإنساني دور يلعبونه في مناصرة السكان وتكييف عملهم لتلبية الاحتياجات، حتى عندما تحاول الأطراف المتحاربة منعهم من القيام بذلك.
إن القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية ليست ظاهرة جديدة في السودان، ولا هي استثنائية على مستوى العالم؛ إذ يواجه عدد متزايد من الاستجابات الإنسانية تحديات مماثلة. تناول بحثي الأخير النزاعات التي استخدمت فيها الأطراف المتحاربة الحرمان من المساعدات والتلاعب بها لحرمان السكان من الاحتياجات الأساسية لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية. قد تكون بعض الدروس المستفادة من سوريا وميانمار وإثيوبيا، وغيرها من سياقات الوصول المعقدة، مفيدة لأولئك الذين يقومون بأعمال إنسانية حساسة للنزاع في السودان.
تعتبر قضايا التوطين ودور الجهات الفاعلة المحلية بمثابة قضايا أساسية وجوهرية في كل هذه الدروس. وقد قامت وحدة حساسية النزاعات بتناول الاعتبارات الحساسة للنزاعات الخاصة بالسودان للعمل مع الجهات الفاعلة المحلية والتركيز عليها وسيتم عرضها في المدونات المستقبلية.
تجنب أن تحل المفاوضات رفيعة المستوى بشأن وصول المساعدات الإنسانية محل مفاوضات السلام أو المفاوضات السياسية. يجب فصل الجانب السياسي عن الجانب التشغيلي بقدر الإمكان.
غالبًا ما تبدأ محادثات السلام بالتركيز على وقف إطلاق النار والعمليات الإنسانية. في الماضي، كان الهدف من ذلك تلبية الاحتياجات الإنسانية الفورية وتوفير نقطة انطلاق نحو حل سياسي. ومع ذلك وعلى نحو متزايد، فإن في حالة النزاعات المستمرة التي تفشل فيها المحادثات السياسية، تحل هذه المحادثات المركزة على الجوانب الإنسانية محل عملية حل النزاع . وبذلك، يتم تقويض الدبلوماسية الإنسانية والتأثير سلبًا على العمل الإنساني. فمن ناحية، يمكن أن يحفز هذا أطراف النزاع على تعزيز سيطرتها على أنظمة المساعدات من أجل الحفاظ على دورها ومصالحها في المفاوضات. فضلاً عن أن استنفاد الرصيد السياسي على مفاوضات الوصول يؤدي إلى تحويل الموارد الدبلوماسية المحدودة بعيداً عن الجهود المبذولة لحل النزاع.
في إثيوبيا، أدى عدم وجود بدائل تشغيلية عملية لطلب الوصول إلى تيغراي من العاصمة الإثيوبية إلى مشاركة كبار العاملين في المجال الإنساني بصورة شخصية في المفاوضات. ومع ذلك، كانت هذه المفاوضات في كثير من الأحيان تعاني من تشتت وتعطل، سواء داخل المنظمات – حيث يتصرف كبار المسؤولين دون التحدث إلى موظفي الوكالات – أو بين المنظمات – مما يقلل من الفعالية. بينما في سوريا، كان التجديد المنتظم لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يسمح بوصول المساعدات عبر الحدود التركية، إلى أراضي في البلاد خارج سيطرة النظام، يستدعي تقديم تنازلات كبيرة على نحو متزايد للحفاظ عليه، والنهاية، أصبح هذا القرار هو محور التركيز الوحيد للدبلوماسية رفيعة المستوى في سوريا. وعندما تم استخدام حق النقض على القرار في نهاية المطاف بعد تسع سنوات، ظلت المخاوف السياسية والمخاوف المتعلقة بالحماية التي استلزمت صدوره قائمة، لإنها لم يتم التعامل معها من خلال المحادثات السياسية. وتم إبعاد الجهات الفاعلة المحلية والسكان المتضررين عن المفاوضات حول حل المشكلات الناجمة عن انتهاء القرار.
وفي السودان، ومنذ بداية أعمال العنف، تركزت المفاوضات حتى الآن على وصول المساعدات الإنسانية، لكنها لم تشمل سوى الأطراف المتحاربة، مع تهميش المجتمع المدني والمدنيين والعاملين في المجال الإنساني. ويؤدي هذا إلى المخاطرة بتحفيز المزيد من تعزيز السيطرة على عمليات المساعدة من قبل الجهات المسلحة، ولم يؤدي إلى زيادة في الوصول. إن المنهج التنازلي (القائم من أعلى إلى أسفل) لهذه المفاوضات يؤثر سلباً على الجهات الفاعلة المحلية والتوقعات طويلة المدى للسلام، وكذلك يقلل من فاعلية أدوار وإمكانات المبادرات الإنسانية ومبادرات السلام المحلية.
ينبغي إعطاء الأولوية لهذا المنهج، حيث يمكن التغلب على قيود الوصول من خلال الحلول التشغيلية،. في السودان، هناك تركيز قوي على الحصول على موافقة الوصول من بعض السلطات الحكومية، حتى في المناطق التي ليس لها سيطرة عليها، أو متواجدة فيها. وعندما يتم رفض الموافقة، يتم تصعيد الأمر إلى المستوى السياسي بسبب التفضيلات البيروقراطية والتشغيلية وليس بسبب الضرورة. ويمكن استكشاف زيادة الأنشطة عبر الحدود، وجهود التوطين الهادفة التي تشمل البرمجة عن بعد، وحلول التحويلات النقدية للمنظمات الصغيرة والمستفيدين على حد سواء، لتلبية الاحتياجات الإنسانية حيثما وجدت، حتى في مواجهة تحديات الوصول المعقدة. وينبغي متابعة المسار السياسي للوصول فقط عندما تفشل هذه الجهود، أو عندما يأتي دور حماية عمليات الإغاثة والمدنيين.
يعتبر تغيير الأساليب التشغيلية بسرعة أمرًا حيويًا عند ظهور تحديات الوصول المتجذرة. ويعد بناء النظام البيئي (الإيكولوجي) الذي يسهل التوطين الحقيقي أمرًا أساسيًا.
غالبًا ما يستغرق نظام المساعدات سنوات للاعتراف بخطورة مشاكل الوصول المتجذرة، هذا إذا حدث ذلك أصلاً. ومن خلال الحالات التي شهدنا فيها رفض المساعدات والتلاعب بها في الماضي، فمن المرجح أن يستمر ذلك. من الضروري التصرف بسرعة لتكييف العمليات بدلاً من الأمل في إمكانية تأمين الوصول من خلال نظام مركزي.
في سوريا، بدأ منع الوصول في أوائل عام 2011. لكن الأمر استغرق حوالي عامين قبل أن يتم تفعيل استجابة ذات معنى عبر الحدود من الدول المجاورة، واستغرق ثلاث أعوام ونصف قبل أن يتخذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إجراءً لإصدار قرار يسمح بالوصول عن طريق الإخطار بدلاً من الحصول على إذن من الحكومة السورية. وفي ميانمار، مر أكثر من عامين ونصف منذ استيلاء المجلس العسكري على السلطة في انقلاب عسكري، مما أدى إلى تفاقم تحديات الوصول التي استمرت عقودًا، والتي تركت الملايين دون مساعدة من العاصمة. وحتى الآن، فإن الاستجابة عبر الحدود وعن بعد تعاني وتكافح من أجل الارتقاء إلى المستويات المطلوبة. كما واجه السودان أيضًا تحديات في الوصول إلى المساعدات لعقود من الزمن. ويتكرر النمط بذات السيناريو. إلا أن هناك فرصة لإدراك ذلك والتكيف بسرعة لتلبية الاحتياجات التي لم يتم تلبيتها.
وبينما تختلف تفاصيل القيود على الوصول والحلول بين سياقات البلدان، فإن السمة المميزة لأي تحول تشغيلي ناجح هي وجود المعلومات والبيانات الموثوقة والدقيقة حول تحديات الوصول والاحتياجات التي لم يتم تلبيتها نتيجة لذلك. وقد ساعد هذا في تبديد أي لبس بشأن المشكلة، فضلاً عن توفير الأدلة المطلوبة لدعم التغييرات في السياسات والبرامج والتمويل. إذا لم تتوفر الثقة أو الأنظمة اللازمة لتشجيع تبادل المعلومات (بما في ذلك من المنظمات المحلية)، فقد تكون هناك حاجة إلى أطراف خارجية أو مبادرات مخصصة.
عندما يتعلق الأمر بالحلول الممكنة، غالبًا ما تُثار أسئلة حول الحيادية والنزاهة. ومع ذلك، يتطلب العمل الإنساني المبدئي أن يلبي الممارسون احتياجات السكان. إذ أن اللجوء إلى نظام إنساني بالغ المركزية في مواجهة قيود الوصول في سياق حكم مجزأ قد يترك السكان في حاجة إلى المساعدة، مما يقوض المبادئ. وبدلاً من ذلك، قد يتضمن العمل المبدئي استخدام طرق جديدة للعمل من أجل تلبية الاحتياجات.
تلعب الجهات المانحة دورًا رئيسيًا. وفي ميانمار، كان المانحون أقل ميلاً إلى تحمل المخاطر، لذا كان التغيير أبطأ، وعلى نطاق أصغر، وأكثر تجزئة وتشظياً. في سوريا، كان لدى الجهات المانحة الرئيسية دوافع سياسية لمساعدة الجهات الفاعلة الإنسانية على وضع استراتيجيات وصول جديدة. عندما كانت الجهات المانحة متحمسة، ساعدت في بناء أنظمة بيئية جيدة الترشيد لدعم الطرائق البديلة (النقدية، البعيدة، عبر الحدود) التي شملت تحليل السياق، والشركاء المناسبين، والتمويل المرن وآليات التمويل (صناديق الأموال البديلة التي يمكن الوصول إليها من قبل المنظمات المحلية أو استخدام أنظمة تحويل الأموال غير الرسمية)، والتعاون، ودرجة أعلى من المعتاد من تقاسم المخاطر. تعد الاستفادة من أي زخم من الجهات المانحة حول الوصول والتحديات التشغيلية في السودان أمراً ضرورياً لإحداث التغيير وبناء البيئة اللازمة لطرائق جديدة وزيادة التوطين.
وفي حين أن هناك مخاوف مفهومة من تحويل مسار المساعدات في الاستجابة للسودان، إلا أنه لا يمكن إلقاء اللوم على عملية التوطين. حدثت أمثلة حديثة لتحويل المساعدات الممنهج في شرق أفريقيا في اطار استجابات بالغة المركزية. لا يعد التحويل أحد أعراض البرمجة المحلية أو البعيدة أو النقدية، بل هو خطر يواجهه القطاع في جميع البيئات الصعبة، وعلى هذا النحو، لا ينبغي اعتباره عائقًا أمام أي طريقة فردية أو نهج برمجي في السودان. فقد تكون القوافل أو السلع المخزنة في المستودعات عرضة للنهب أو سوء الإدارة مثلها مثل المشاريع التي تتم إدارتها عن بعد. يجب أن يكون التدريب المناسب، وبناء العلاقات، والحد من المخاطر، وإعداد التقارير، والمسؤوليات المالية جزءًا من أي استراتيجية وصول أو برمجة يتم تنفيذها.
فكر/ي في الكيفية التي يمكن بها للعمليات أن تقوض القدرة المحلية على الصمود والسلام طويل الأمد
بينما تفسح الاستجابة لحالات الطوارئ المجال لعملية إنسانية طويلة الأجل في أزمة طويلة الأمد، تظهر نقطة تحول هنا، حيث تتوفر فرصة لإعادة النظر في العمليات، وتطبيق الدروس والتجارب المستفادة، وضمان بناء الاستجابة طويلة المدى على افتراضات مسؤولة. ويجب إعطاء الأولوية لذلك، حال عدم وجود المنهج الأفضل لتوطين الاستجابة.
يعد تحليل السياق الحساس للنزاع أساسًا مهماً للبرامج واستراتيجيات الوصول إذا تم إجراؤه بشكل شامل ومدروس. يمكن لمفاوضات وعمليات الوصول أن تساعد في تعزيز ديناميكيات النزاع، ويجب أن يدعم التحليل التفكير المتأني حول تأثيرات هذه الاختيارات. وتماشياً مع الضرورة الإنسانية المتمثلة في تلبية الاحتياجات، يجري بالفعل تنفيذ عدد من المبادرات الناجحة بقيادة محلية في المناطق التي يصعب الوصول إليها في غرب السودان. ركزت هذه الجهود على تأمين الممرات الإنسانية ووقف إطلاق النار، وأعمال إعادة التأهيل، وتلبية احتياجات النازحين بسبب العنف في غياب الآخرين. ومع ذلك، ومع توسع نظام المساعدات المركزي في استجابته عبر الحدود إلى غرب السودان، يتم تجاهل هذه الجهود. يعد توسيع نطاق العمليات في الغرب أمراً مهماً ولكن يجب أن يتم ذلك بالتشاور والتعاون مع الجهات الفاعلة المحلية حيثما أمكن ذلك، لضمان عدم تقويض المبادرات المحلية. وسيوفر التكامل والتعاون قدرًا أكبر من المرونة مع تغير ديناميكيات النزاع.
يعد عمل الجهات الفاعلة المحلية أمرًا بالغ الأهمية، نظرًا لعلاقاتها وقربها من المجتمعات المتضررة. ومع ذلك، فإن الطريقة التي تتعامل بها الجهات الفاعلة الدولية مع المجتمع المدني هي مهمة كذلك. لا ينبغي أن يقتصر التوطين على تحويل المخاطر ونقلها إلى الشركاء المحليين فحسب. إن منهج الترابط الثلاثي بين العمل الإنساني والتنمية وبناء السلام (HDP) للتوطين في التعامل مع الأزمات طويلة الأمد يتطلب التفكير في التأثير على السلام على المدى الطويل، فضلاً عن نجاح البرامج الإنسانية. لا ينبغي استخدام المجتمع المدني كأداة فقط كوسيلة لتسهيل إيصال المساعدات، خاصة وأن إعادة تشكيل هياكله أو تركيزه يمكن أن تحوله عن وظائفه الأساسية التي قد لا تركز على الشؤون الإنسانية. وفي الوقت نفسه، فإن الفشل في تلبية الاحتياجات المحددة محليًا بشكل فعال من خلال منظمات العون المحلية التي تعمل بالفعل على الأرض يمكن أن يؤثر أيضًا سلبًا على مرونة وقدرة المجتمع على التكّيف ويحرم المجتمع المدني من القدرة على التصرف والفاعلية. وبدلاً من ذلك، ينبغي استخدام منهج يقوده المجتمع المحلي ويتضمن التعاون بين الجهات الفاعلة الدولية والمحلية.
عن الكاتبة:
إيما بيلز هي مستشارة مستقلة تركز على النزاع والسلام والعون الإنساني. وهي باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط ومستشارة أولى في المعهد الأوروبي للسلام.
حسابي على تويتر: