هذه المدونة هي المدونة الثانية من سلسلة “معضلات وصول العون الانساني، والعمل المحلي وحساسية النزاعات منذ ابريل 2023″ والتي تعرض وجهات نظر مختلفة مهمة للاستجابة للمساعدات الحساسة للنزاع في السودان.
أيمن إلياس وكيارا ينكي
في الوقت الذي كان يكافح فيه قطاع المساعدات الدولية لتلبية الاحتياجات المتزايدة للشعب السوداني، كانت المنظمات القاعدية الشعبية – بما في ذلك المنظمات الوطنية غير الحكومية ومجموعات المجتمع المدني ولجان الأحياء في الطليعة من حيث تقديم المساعدة للمجتمعات السودانية. وقد لعبت العديد من هذه المنظمات، الموجودة منذ عقود والتي يقودها مدنيون، دورًا حاسمًا خلال ثورة 2019. وقد مكنهم ذلك من الاستجابة السريعة للأزمة في أبريل 2023، مما سمح لهم باستخدام ذات الهياكل والعلاقات المجتمعية والأدوات التي صقلوها على مر السنين. قامت وحدة حساسية النزاعات باجراء مقابلات مع خمسة مستجيبين محليين هم سارة وعلي ومحمد وعمر وآدم* في أكتوبر لمعرفة المزيد عن تجاربهم في تقديم المساعدات لمجتمعاتهم.
تختلف طبيعة المساعدات التي يقدمها هؤلاء المستجيبون الخمسة لمجتمعاتهم، والطرق التي ينظمون بها أنفسهم. يقيم كل من علي و سارة في الخرطوم، ويعملان ضمن غرف الاستجابة للطوارئ ولجان المقاومة[i] للقيام بعمليات إجلاء للأشخاص وتقديم الخدمات الطبية وإنشاء مطابخ مجتمعية مشتركة حيث يمكن للمجتمعات طهي الطعام ومشاركته. وفي أم درمان، حيث يتواجد محمد، اتحدت المبادرات الشبابية بسرعة تحت شعار “فقط شارك بما لديك”، والذي يتمثل المثل السوداني: “الجود بالموجود”، كما يتمثل أحد شعارات ثورة ديسمبر: “لو عندك خت، ما عندك شيل”، فعندما اندلعت الأزمة أنشأت هذه المبادرات مطابخ متنقلة وقامت بصيانة مرافق المياه. وقامت مجموعات أخرى في أم درمان بتثقيف الجيران حول المتفجرات. وفي مسقط رأس محمد في شمال دارفور، اجتمع الناس معًا لدعم النازحين من نيالا، بينما في غرب دارفور، حيث ينتمي عمر، شكل السكان المحليون مبادرات أخرى لمحاولة العمل معاً بشكل استباقي لتجنب النزاعات التي يمكن أن تشمل جميع شرائح المجتمع. ومع ذلك، فإنهم جميعًا يواجهون تحديات كبيرة في عملهم، وغالبًا ما تكون قدرتهم على مساعدة مجتمعاتهم محدودة بسبب انقطاع الاتصالات والمعلومات، والمخاطر الأمنية، والنقص في الوصول وعدم إمكانية الحصول على التمويل.
تحدثنا معهم لنسمع المزيد عن عملهم وكيفية تعاملهم مع قضايا الوصول ورؤية الشراكات العادلة.
*يرجى ملاحظة أنه تم تغيير جميع الأسماء في هذه المدونة لحماية هويات الأشخاص الذين تمت مقابلتهم. كما ننوه إلى انه بينما أجريت المقابلات باللغة العربية وتمت ترجمة الردود إلى الإنجليزية، فإن معظم محتوى هذه المدونة يتكون من اقتباسات لمن تمت مقابلتهم بهدف ايصال أصواتهم ووجهات نظرهم. وعلى الرغم من أنه تم إيلاء اهتمام خاص للتأكد من أن الأشخاص الذين تمت مقابلتهم ينتمون إلى مناطق مختلفة في السودان، إلا أنه يجب أيضًا ملاحظة أن تجاربهم لا يمكن النظر إليها باعتبار أنها تمثل جميع المستجيبين المحليين السودانيين.
الحيادية والتفاوض على وصول المساعدات الإنسانية
ظلت مسألة وصول المساعدات الإنسانية قضية رئيسية للاستجابة للمساعدات في السودان. فبينما واجهت العديد من المنظمات الدولية تحديات في التعامل مع البيئة التشغيلية الصعبة التي تتسم بالمخاطر الأمنية والنهب والعقبات البيروقراطية، تمكن المستجيبون المحليون في كثير من الأحيان من الوصول إلى الأماكن التي يصعب الوصول إليها ومساعدة المجتمعات المحتاجة.
متفاكرين حول أساليبهم في التفاوض بشأن الوصول، شاركنا المستجيبون الخمسة تجاربهم فيما يتعلق بالأساليب المستخدمة داخل شبكاتهم ومجتمعاتهم.
في الخرطوم يتم التفاوض على إمكانية الوصول على أساس فردي للحد من المخاطر. تقول سارة “على سبيل المثال، عندما نقوم بعملية إجلاء، نتواصل مع المسؤولين الفاعلين في أقرب نقاط التفتيش. ويحدث الشيء نفسه عندما نكون بحوجة إلى جلب المواد، حيث نقوم بالاتصال بالقوات ذات الصلة في المنطقة وهذا يقلل من المخاطر. لإنه إذا ما خططنا لشيء أكثر تنظيماً، فإن ذلك قد يجعل الجانب الآخر أكثر تشككاً”.
كذلك يتواصل علي مع كافة أطراف النزاع للاستفسار عن المتطلبات الأمنية: “لدينا داخل المنظمة وحدة للأمن والسلامة نتواصل من خلالها مع كافة الأطراف المسلحة؛ نقول لهم إننا نخطط للتحرك داخل المناطق الخاضعة لسيطرتهم ونطلب منهم اطلاعنا على بروتوكولاتهم”.
ويوضح آدم أنه في شمال دارفور، يتم التنسيق في كثير من الأحيان مع قوات دارفور المشتركة التي قامت بتشكيلها حركات دارفور المسلحة، الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، بعد 15 أبريل.
ويؤكد محمد على الدور الذي يمكن أن يلعبه زعماء وشيوخ القبائل في التفاوض مع الجهات المسلحة، خاصة بسبب وجود روابط قبلية موجودة مسبقًا بين المجتمعات والجهات الفاعلة في النزاع. يقول محمد انه “في الأبيض بولاية شمال كردفان، تفاوضت قبائل البديرية والجموعية مع قوات الدعم السريع للسماح للمهندسين والفنيين بالوصول إلى مرافق المياه لصيانتها. وبالمثل، ذهبت قيادات الإدارة الأهلية من الدلنج إلى منطقتي الدبيبات وطيبة للتحدث مع قوات الدعم السريع بشأن حالات النهب”. وهذا يدل على الدور المتزايد لكيانات واجسام المجتمعات المحلية في ضمان سلامة المجتمع في بعض المواقع”.
كذلك يسلط عمر الضوء أيضًا على أهمية إشراك الجهات الفاعلة المحلية في مفاوضات الوصول وتقديم المساعدات مشيراً إلى أنه “قد يتم منعك من الوصول لمجرد لون بشرتك أو لغتك أو انتماءاتك القبلية “.، وبالتالي، -والحديث لعمر- تحتاج إلى إشراك الجهات الفاعلة المحلية من المنطقة الذين يعرفون المجتمعات المحلية.
ويوضح محمد أيضًا أن “سلامة الجهات الفاعلة الدولية والمحلية كلاهما في مجال الإغاثة معرضة للخطر أثناء حدوث الاشتباكات، وهناك خطر الاستهداف على أساس الروابط العرقية والقبلية. ولهذا السبب من المهم أن يكون هناك ممثل للمجتمع يشارك في العملية لتجنب أي خطر أو تأثير سلبي على كل من الجهات الفاعلة في مجال المساعدات الوطنية والدولية، حيث قد يتم استهدافهم أو اتهامهم بالانتماء إلى أحد طرفي [النزاع]”.
في حديثها عن المبادئ التي توجه مفاوضاتهم، تؤكد سارة أن المبدأ العام والأساسي هو “إنجاز عملنا بغض النظر عن طرف النزاع الذي نتواصل معه؛ لانه في نهاية المطاف، فهي قوات تسيطر على المنطقة التي نحتاج إلى العمل فيها”.
وتؤكد سارة وعلي وآدم أن منظماتهم تلتزم بمبدأ الحياد وتتعامل مع جميع أطراف النزاع بطريقة متساوية. إلا ان آدم يقول أن موضوع الحياد يتم مناقشته على نطاق واسع داخل هذه المنظمات التي يقودها المدنيون في الوقت الحالي – “هناك جدل لم يتم حسمه بعد حول ما إذا كان ينبغي للمجموعات العاملة على الأرض أن تكون محايدة أو ما إذا كان من الممكن أن يكون لها رأي ضد الأطراف، وأن ترفض التعامل معها تماماً”.
وتوضح سارة أيضًا أن الجهات الفاعلة الدولية بحاجة إلى العمل مع الشركاء المحليين في المجتمعات لمنع عرقلة المساعدات ونهبها. و تشدد أن الشركاء “هم من يملكون المعلومات ذات الصلة، ويمكنهم معرفة ما إذا كان هناك احتمال للنهب أو المصادرة، أو إذا كان هناك شكوك حول طبيعة المساعدة التي تقدمها. يقدم لنا الشركاء ملاحظات قيمة حول ما إذا كانت الطرق آمنة أم لا، ومن سيقابلنا هناك، وهذا يسمح لنا بالاستعداد جيدا”ً.
العمل مع قطاع العون والمساعدات الدولية
عند سؤالهم عن انخراطهم مع الجهات الفاعلة الدولية، تشاركوا جميعهم في الصعوبات التي يواجهها المستجيبون المحليون وغرف الطوارئ في العمل كجزء من الاستجابة للمساعدات الدولية.
تقول سارة، “غالبًا ما يكون لدى المنظمات الدولية عمليات وإجراءات معقدة للغاية، مثل طلب المشروعات والعروض المقترحة والفواتير. هذا النظام لا يناسب الوضع الحالي ويشكل التحدي الأكبر أمام التعاون بين الجهات المحلية والمنظمات الدولية”.
وتواصل سارة موضحة أنها تشعر بأن هناك نقصًا في تقدير عمل المستجيبين المحليين: “المنظمات الدولية في كثير من الأحيان لا تفهم أن أولئك الذين يعملون على الأرض يقومون بأشياء لا يمكنهم أبدًا القيام بها بمفردهم مثل توفير المعلومات وعمليات الوصول لأنهم في مناطق لا تستطيع المنظمات الدولية الوصول إليها. ولكن يبدو أن قطاع المساعدات لا يقدر ذلك، على الرغم من أنه لا يستطيع تقديم المساعدات دون مساعدة المستجيبين المحليين.
وتضيف“(…) النهج المتبع في تقديم المساعدات هو من أعلى إلى أسفل، بما في ذلك وجود مشاريع وبرامج مصممة مسبقاً. تقوم المنظمات الدولية بإعداد كل شيء ولا تقوم بإشراك المستجيبين المحليين أو التنسيق مع المبادرات الموجودة القائمة على الاحتياجات والمتطلبات الفعلية للمجتمعات. بينما تبدأ المبادرات المحلية بالاحتياجات الفعلية لمجتمعاتها”.
ويشير علي إلى أنه على العكس من الجهات الدولية الفاعلة في مجال المساعدات، فإن المستجيبين المحليين هم جزء لا يتجزأ من المجتمعات التي يخدمونها. لكنهم بحاجة إلى الحصول على المزيد من الدعم و“لا ينبغي لأولئك الذين يعملون على الأرض أن يعرضوا أنفسهم للخطر”. ويؤكد أن الوصول إلى المعلومات بشكل خاص يمثل مشكلة كبيرة للمستجيبين في غياب الإنترنت الموثوق.
ويعتقد علي أن جزءاً من المشكلة يكمن في عدم قدرة قطاع المساعدات على التفكير خارج الصندوق. ويوضح ذلك بقوله: “يمكننا العمل من خلال أنظمة بديلة لإيجاد حلول، لكن قطاع المساعدات لا يستطيع فهم هذه العمليات، فهم متمسكون فقط بنظامهم الخاص للعمل من خلال الشركات الكبرى والبنوك المحلية”.
نحو تمكين شراكات أكثر إنصافا مع المنظمات غير الحكومية
وبالتفاكر حول كيفية تحسين الشراكات بين المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية، تؤكد سارة على الحاجة إلى تعزيز المزيد من الشراكات الحقيقية.
تقول سارة “لو كانت الشراكات حقيقية، لما تعرضت المنظمات الدولية للانتقاد، لكن المنظمات الدولية تريد من شركائها المحليين أن يعملوا بالطريقة التي يريدونها هم”، مشيرة إلى أن الشراكة الحقيقية يجب أن تعمل على تمكين الشريك المحلي،”(… .) سيكون ذلك بمثابة التوطين الحقيقي، ولكن ما يفعلونه في الواقع هو الاستعانة بمصادر خارجية”.
ويعتقد عمر أن الجهات الفاعلة في مجال العون بحاجة إلى العمل بشكل أوثق مع المستجيبين المحليين بشكل عام، موضحًا أنه “في دارفور، يعمل تطبيق بنكك[ii] بصورة جيدة. ومن خلال هذا النظام، يمكن للمنظمات الدولية والجهات المانحة تحويل الأموال إلى الشركاء المحليين الذين يمكنهم إجراء عمليات الشراء محليا”، بدلاً من إرسال قوافل المساعدات الكبيرة التي غالباً ما تتعرض للنهب. هناك مبادرات قائمة في الفاشر ونيالا والضعين، ورغم أن قدراتهم محدودة، إلا أن المنظمات الدولية يمكن أن تساعدهم من خلال تخفيف الإجراءات لأنه أصبح من المستحيل تلبيتها في زمن الأزمات”.
فيما يؤكد محمد ذلك انه يمكن للجهات الفاعلة في مجال العون تقديم المزيد من الدعم العملي للمستجيبين المحليين كما ويتعين عليهم فهم السياق المحلي بشكل أفضل. ويشير إلى أن “المانحين والمنظمات الدولية يمكنهم المساعدة من خلال المراقبة والمتابعة والتركيز على “المساعدات الصديقة[iii]”. إذا كان المجتمع معتاداً على تناول الذرة (الحنطة) وقمت بمدهم بالذرة الشامية، فلن يكون ذلك فعالاً وذو جدوى. وقد تختار إحدى الجهات الفاعلة في مجال المساعدات الدولية أيضًا شركاء محليين غير مقبولين بالنسبة للمجتمع، مما قد يؤدي إلى رفض المساعدات نفسها”.
من جهته، لا يتفق آدم مع فكرة نقل المخاطر إلى الشركاء المحليين، معتبراً بأن المنظمات المحلية غير الحكومية لديها فهم أفضل للسياق ويمكنها المشاركة بأكثر فاعلية في خدمة مجتمعاتها وبناء قدراتها في ذات الوقت. مقترحاً إشراك الشركاء المحليين بصورة متساوية مع زملائهم الدوليين وإشراكهم في عمليات صنع القرار من خلال تقييم المخاطر، كما اقترح على المنظمات الدولية والجهات المانحة تقديم المزيد من المنح الصغيرة للمستجيبين المحليين ومساعدتهم بالدعم الفني.
دعم العمل المحلي في السودان
في حين أن هذه المدونة تقدم فقط نظرة عامة مختصرة حول تجارب المستجيبين المحليين، إلا ان الحديث مع سارة وآدم ومحمد وعمر وعلي يوضح الطرق التي يدعم بها المستجيبون المحليون مجتمعاتهم منذ أبريل، بالإضافة إلى معارفهم وقدراتهم المتنامية باستمرار، لمواصلة تقديم المساعدات على الرغم من التحديات التشغيلية. ومع ذلك، فإنهم يواجهون عقبات في الاتصالات، ومحدودية التمويل، والمخاطر الأمنية، والعمليات والاجراءات البيروقراطية المطولة للوصول إلى التمويل، مما يؤكد أهمية الدعم الدولي لتيسير إقامة الشراكات الحقيقية التي تسهل تبادل المعلومات، ولا تنقل المخاطر، وتقلل من التكلفة الإدارية/البيروقراطية للمستجيبين المحليين. .
تواصل وحدة حساسية النزاعات عملها لتسليط الضوء على تجارب المستجيبين المحليين لدعم استجابة وتقديم مساعدات مقادة محلياً ومراعية لحساسية النزاع في السودان. إذا كنت ترغب في معرفة المزيد عن عملنا مع المستجيبين المحليين أو ترغب في التحدث إلينا واجراء المزيد من المحادثات، يرجى الاتصال بنا عبر info@csf-sudan.org
[i] لجان المقاومة – هي مجموعات الأحياء الشعبية القاعدية التي تلعب دوراً محورياً على مستوى المجتمع في تقديم الخدمات والتمثيل السياسي. وهم مرتبطون على المستوى الوطني عبر هيكل أفقي، ويلعبون دورًا محوريًا في قيادة حركة التغيير الديمقراطي والسياسة التمثيلية.
غرف الاستجابة للطوارئ – هي أجسام تطوعية تقود الاستجابة للأزمات على مستوى المجتمعات، وتوفر الخدمات الأساسية وتنسق توفير الموارد للأشخاص المحتاجين.
[ii] بنكك هو تطبيق لتحويل الأموال
[iii] العون أو المساعدات التي تراعي الإحتياجات والأولويات الثقافية والسياقية.
منشورات ذات صلة
معضلات وصول العون الانساني، والعمل المحلي وحساسية النزاعات منذ ابريل 2023
نحو تحسين الوصول إلى السودان: دروس من ميانمار وإثيوبيا وسوريا
فهم التوطين في السودان
مصدر الصورة: منظمة صدقات https://www.sadagaat.com/