قبل عام وشهر من الآن، قامت منظمة الصحة العالمية بالإعلان عن جائحة كوفيد- 19، ومع تزايد حالات الإصابة وآنتشارها بصورة خاطفة حول أرجاء العالم، قام عدد من “الخبراء” في شؤون أفريقيا بتقدير أن القارة تواجه حالة فريدة من “الضعف” وقاموا بتوقع مشاهد مرعبة لجثث تطفو على الشوارع
ولكن على الرغم من ذلك فإن الوباء لم يقم بإبادة الشعوب في القارة الإفريقية، حيث تتضاءل عددية حالات الإصابة والوفيات بالمقارنة لما تم حصره في القارة الأوروبية وفي شمال القارة الأمريكية. مع ذلك فإن الاستجابة الوبائية المتبعة من قبل عدة حكومات أفريقية ومنظمات الإغاثة كانت على نفس النهج الذي اتبعه نظراؤهم في الشمال، وقد ألحقت هذه السياسات ضرراً بالغاً بشعوبهم.
أما في السودان، فقد قامت الحكومة السودانية الإنتقالية المعينة حديثا- والخاضعة لضغط من أجل إيفائها بتحقيق الإنتقال السياسي الموعود عقب إسقاط حكومة البشير- بالعمل بصورة سريعة على تطبيق الممارسات الشائعة التي اتبعتها دول أخرى، فقد تم تفعيل حظر صحي دام لستة أشهر مع إغلاق الحدود الدولية والمرافئ. وقامت الحكومة بصب اهتمامها على حشد وتحريك استجابة مسبوقة الدراسة لقطاع الإغاثة، تتبع في شكلها ما يمكن رؤيته في القارة الأوروبية وشمال أمريكا، وذلك قبل أن تتمكن من تحديد مستوى تطور وضع الوباء وكيفية تطويرها لاستجابة متناسبة مع الوباء.
قام المسؤولون الحكوميون- والذين يتكون جزء منهم من خبراء محنكين منتمين لقطاع المعونة- بالترحيب بوكالات إغاثة من اللاتي تم تقييد تفاعلها في عهد البشير. وفي غضون ذلك فقد تم توحيد سلطة القرار فيما يتعلق بالاستجابة للوباء بصورة سريعة، وذلك من بعد أن قامت الحكومة بعقد اجتماعات تنسيقية مشتركة مع وكالات الإغاثة ومع بدئها في التفاوض على حق الوصول إلى المناطق النائية.
استجابة منفصلة عن الواقع المحيط
نسبة لسعي الحكومة بأن لا تظهر على أنها تتعامل بصورة غير مسؤولة فيما يخص حياة المواطنين، فقد قامت بتفويت فرص لضمان فعالية الإستجابة وتناسبها مع المعطيات على أرض الواقع. وكنتيجة فإن عليها الآن مواجهة سؤال ما إذا كان العلاج الذي تم تطبيقه أسوأ من المرض فيما يخص كثيرين في السودان. في نهاية الأمر فإن الاستجابة المبدئية لوباء كوفيد- 19 قد كانت بعيدة عن الأولويات والحاجات المحلية وعن التجارب المتعلقة بالفيروس، وهو ما دفع بشعب مسبق الضعف إلى أعماق فقر أشد مما كان عليه. قام الحظر الصحي الذي تم تفعيله في العام الماضي بتعريض العاملين بالقطاع الغير رسمي والعمالة المأجورة، مثل بائعات الشاي (سيدات الشاي) وتجار الأسواق (والذين يشكلون حوالي ال 60% من اقتصاد السودان) لقيود في الوصول إلى أماكن العمل بالإضافة إلى خسارة مباشرة للدخل وإمكانية تغريمهم في حال كسرهم لهذه القوانين.
لقد كانت الإجراءات الاحترازية والتوجيهات فيما يتعلق بالتباعد الاجتماعي غير عملية للنازحين القاطنين بالمخيمات والعائلات الحضرية التي تعيش بكثافة في مساحات محصورة. في نفس الوقت فإن دعوات الحكومة المنادية بغسل الأيادي بالصابون وتعقيمها لم تكن ذات جدوى فعلية في سياق النازحين الذين لا يتوفر لهم الصابون بأسعار مناسبة. ومع إنعدام خطط ورسائل معاد تكييفها لمناسبة السياق السوداني من أجل تحويط مخاطر الوباء في سياق أثرها بالسودان، أدى ذلك لانتشار واسع للمعلومات الخاطئة عدم إتباع النصائح الوقائية بصورة .واسعة
منهج متكيف
لقد تم اكتساب دروس كثيرة منذ تلك الفترة، ومع تزايد حالات كوفيد- 19 للمرة الثانية في نهاية عام 2020 وفي هذا الربيع، فقد تم تفعيل إجراءات حظر صحي ذات قيود أقل شمولاً تركز فقط على الأعراس والتجمعات الكبيرة. أما العمالة المأجورة وغيرهم من العاملين غير الرسميين فقد عادوا إلى عملهم جاهدين في تعويض الدخل الذي فقدوه. أما ارتداء الأقنعة فقد أصبح نوعا رخيصاً وطبيعيا للوقاية، يرتبط في أذهان الناس بالعودة إلى العمل.
ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن الضرر الذي قد لحق ثقة العامة بالمعلومات الرسمية حول الوباء قد يكون دائم الأثر. في يومنا الحالي نجد أن التخوفات المرتبطة بلقاح كوفيد- 19 يتم تعزيزها عن طريق نظريات المؤامرة الواسعة عن طبيعة الفيروس نفسه. والطريقة الوحيدة لتفنيدها هي عن طريق الرسائل الذكية و المبنية على السياق المتعلقة باللقاح و الوباء و الصادرة من كل من الحكومة وقطاع المعونة معاَ.
ومما يثير القلق بصورة متساوية، هو عدم الانتباه للسياق المحيط ونسيانه بصورة واسعة في قطاع المعونة في وسط الهلع الذي برز في بداية الجائحة. مع الأسف فإنه وفي هذه اللحظات على الأخص تبرز الحاجة الضرورية إلى فهم السياقات الواقعية التي تتعلق بالسكان المتأثرين بالأزمة أو الحدث
يوم محاسبة لقطاع المساعدات السوداني
من أجل ضمان تناسب الإستجابات المستقبلية للأزمات مع التجارب المعيشية للسودانيين، تتضح ضرورة حوزة العاملين على المستوى القومي والفيدرالي بالإضافة إلى منظمات الإغاثة على معلومات وتحاليل سياقية أفضل. وهو ما يمكن أن يلعب فيها قطاع المساعدات دوراَ هاماَ.
نظرياَ فإن بإمكان منظمات الإغاثة العمل على تطبيع مشاركة التحاليل والبيانات عن طريق إنشاء آليات تنسيقية يمكن استعمالها لأجل تحديث استجابة قطاع المساعدات والاستجابة الحكومية- سواء كان ذلك على المستوى المحلي أو القومي. بالإضافة لذلك فإن بإمكان عمال الإغاثة العمل على سد الفجوات المعرفية على المستوى الفيدرالي، سواء كان ذلك ضمن مكاتب الدولة أو الأجسام الحكومية. إضافة إلى تحسين تشارك البيانات عن طريق مساندة العاملين في السلطات القومية المحلية. إنه ومع توسيع توفر عمال الإغاثة ومشاركة التحاليل والبيانات من شبكات الشركاء التنفيذيين على المستوى دون القومي ومستوى المجتمع- سيسمح بتنسيق أعظم مع توجيه الدعم لهذه الاستجابات.
أما عملياً فإن تشجيع مشاركة البيانات التحليلية والدروس المكتسبة-ومن ضمنها الإخفاقات السابقة- يمكن أن يكون أمرا صعباً بين منظمات الإغاثة المتنافسة. ومع ذلك فإن الاستجابة ذات الوطأة الثقيلة لوباء كوفيد- 19 بالسودان تستوجب حصول محاسبة، بحيث يقوم قطاع المساعدات بإستكشاف دوره في إدارة الاستجابة إلى الوباء. إن من الواجب إعطاء أولوية لهذا الأمر في وقت قريب في الحين الذي لا تزال فيه التحديات المتعلقة بالوباء والتعلم المؤسسي المكتسب من الاستجابة الابتدائية متوفرين.
يجب أن تقوم عملية المحاسبة هذه بالعمل على فحص كيفية تفاعل التقارب بين قطاع المساعدات والحكومة القومية على أرض الواقع. رغم أن هذه العلاقة الجديدة المحسنة تعد بسهولة وصول أكبر لمنظمات الإغاثة، فإن من الممكن أنها قد أضعفت الثقة فيهم وخصوصا في وسط مجتمعات النازحين والتي لا تزال محافظة على مستوى عال من عدم الثقة بالحكومة. ومن الممكن أن هذا القرب في العلاقة قد شجع قطاع المساعدات على إتباع نهج الحكومة في التركيز على إنجاح الحظر الصحي، رغم العيوب الجوهرية المتضمنة به.
إن من الوارد أن يكون تحقيق التوازن بين الاستفادة من الفرص الجديدة لأجل التفاعل الوثيق مع الحكومة من أجل الحصول على تفويض الوصول وبين إعطاء أولوية للتركيز على العمل المحلي أمرا صعب التحقيق. ورغم ذلك فإن من المهم تعزيز المتطلبات الإنسانية المتعلقة بإيفاء الحاجات المحلية والتدخلات القائمة على الأدلة واكتساب الدروس بدلا عن إلغائها.
الدروس المكتسبة
لا يزال علينا فهم سبب اختلاف إحصائيات كوفيد 19 المحصورة في إفريقيا بصورة كبيرة عما تم تسجيله في أماكن أخرى. إن من الواضح أن من اللازم في المستقبل أن تكون منظمات المعونة والسلطات الحكومية مسلحة بوعي أفضل عن كيفية تفاعل استجابات قطاع الصحة العام والاستجابات الإنسانية مع المفهوم المحلي والوياته وطرق حياته. إن العمل على تغيير هذا الأمر سيتطلب تفاعلا ثابتا من أجل بناء الثقة مع المجتمعات ذات الوضع الحرج والعمل على تجهيزهم من أجل توجيه الاستجابات الجارية لوباء كوفيد 19 والأزمات المستقبلية الاخري.
سيمكن وجود علاقة تكافلية مدروسة بصورة دقيقة بين الحكومة وقطاع المساعدات، تعمل على تحقيق أقصى قدر من الاستفادة من نقاط قوة الإثنين مع تجنب مساوئ المركزية- المتعلقة بالمساعدات والمعرفة والموارد (المالية وغيرها) وإمكانية الوصول- بالإضافة إلى تمكين استجابة الطوارئ بالسودان من أن تكون أكثر تقبلا وأكثر مراعات للنزاعات.
_____________________________