يعد تقديم العون في منطقة تعاني من نزاعات عنيفة، مهمة معقدة ومحفوفة بالمخاطر. إن الأخطاء وسوء الفهم في مثل هذه الأماكن لها عواقب وخيمة على عمال الإغاثة ومنظماتهم، وقبل كل شيء، على أفراد المجتمع الذين من المفترض أن يستفيدوا من العون. ومع ذلك، بالنسبة لعمال الإغاثة من البلدان الأخرى، فإن فهم المجتمعات التي يعملون فيها قد يبدو أمرًا شاقًا، ناهيك عن معرفة كيف يمكن أن يؤثر عملهم على النزاع للأفضل أو للأسوأ.
تقوم العديد من المؤسسات المانحة ووكالات العون في هذه الحالة بتكليف مختصين في حساسية النزاعات وفي منطقة العمليات المحددة لمساعدة فرقهم على فهم النزاعات التي تؤثر على منطقة عملهم والاستجابة لها. ومع ذلك، هناك عدة أنواع متاحة من الدعم ، ولكل منها نقاط قوة ونقاط ضعف مختلفة، وبعضها أكثر ملاءمة لبعض المواقف من غيرها. لقد اخترنا هنا بعضًا منها، وشاركنا بعض الدروس حول كيفية تحقيق أقصى استفادة منها.
هيا بنا إلى قطار التدريب!
تعتبر الدورات التدريبية طريقة رائعة لمساعدة الموظفين على فهم أساسيات حساسية النزاعات، ومساعدتهم على التفكير في الآثار العملية لذلك على عملهم. وهذا سيترك للموظفين أفكارًا ومهارات يمكن استخدامها لتعزيز عملهم. عندما تُعقد التدريبات بشكل شخصي، فإنها يمكن أن تعزز التغيير على المستوى التنظيمي أو حتى القطاعي من خلال إثارة المحادثات بين المشاركين، والتي من خلالها يمكن أن تنشأ مجتمعات الممارسة.
ولحسن الحظ، هناك عدد لا يحصى من موارد التدريب ومجموعات الأدوات و االكتيبات الإرشادية المتعلقة بحساسية النزاعات، بما في ذلك عدد متزايد من الدورات التدريبية الإفتراضية و/أوالموجهة ذاتيا1. هناك أيضًا دورات مخصصة لتحسين فهم سياقات معينة ومجتمعاتها وبيئاتها واقتصاداتها. وفي السودان، تقدم وحدة حساسية النزاعات دورة تدريبية منتظمة حول “مدخل إلى السودان”، بينما يعقد معهد ريفت فالي دورة تدريبية سنوية مكثفة حول السودان وجنوب السودان.
ومع ذلك، فحتى الدورات التدريبية الأكثر تقدمًا وشمولاً لها حدود. حيث يستحيل تصميم دورات تدريبية لكل مشارك على حدة، حيث سيواجه كل منهم تحديات مختلفة في التعامل مع ديناميكيات النزاعات بدوره. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تُفقد المعرفة المكتسبة من خلال التدريبات بسرعة بسبب تنقّل الموظفين، أو تصبح قديمة بمرور الوقت.
بناء صداقات مهمة
بالنسبة للمنظمات التي تفتقر إلى السياسات أو الخبرة الموجودة مسبقًا في مجال النزاعات، قد يكون من المفيد طلب الإرشاد من منظمة موثوقة متخصصة في قضايا النزاعات. في السنوات القليلة الماضية، دخلت منظمات وشبكات بناء السلام، بما في ذلك Saferworld وCDA وswisspeace، في شراكة مع البرامج الإنسانية والتنموية لدمج حساسية النزاع في تصميمها وتنفيذها. في السودان، تعمل وحدة حساسية النزاع كصديق مهم لقطاع المساعدات في البلاد، حيث تنضم إلى حوارات حل المشكلات، وتساهم في اجتماعات المجموعة وتساعد وكالات الإغاثة على التفكير في الأسئلة الصعبة التي تثيرها النزاعات.
وعلى عكس الدورات التدريبية الفردية والأجزاء التحليلية، فإن هذا النوع من الدعم مستمر ومرن وقادر على توفير جميع أنواع المدخلات المخصصة عند الطلب طوال دورة البرنامج، سواء في الاجتماعات الاستراتيجية أو مقترحات البرامج وعمليات التخطيط والتعلم. وبمرور الوقت، يسمح هذا “للمشرف” ببناء علاقات دائمة مع الموظفين وفهم الديناميكيات الداخلية والأنظمة ونقاط الدخول داخل المنظمة، وتكييف منهج التوجيه الخاص بهم وفقًا لذلك.
ولسوء الحظ، كل هذا غير مضمون. يمكن أن يعتمد التغيير الأعمق على مدى استعداد المنظمة التي تسعى للحصول على الدعم إلى الانفتاح، سواء أمام النقد أو طرق التفكير الجديدة، وإلا قد يبدو الإرشاد وكأنه فرض على الموظفين – يمكن أن تؤدي الرسائل الواضحة على مستوى رفيع حول هذا الأمر أيضًا إلى إنشاء فرق كبير. وفي الوقت نفسه، يجب على المنظمة المرشدة أن تحقق توازنًا صعبًا، من خلال توفير التوجيه النقدي والطموح الذي يمكن أن يحفز التفكير والتغيير الحقيقي، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الثقة كشريك بناء وداعم.
تواصل مع مكتب المساعدة أو “وحدة حساسية النزاعات”
على مستوى الجهات المانحة أو المستوى الوطني، تكون هناك حاجة في بعض الأحيان إلى تدخل أكثر شمولاً وإستراتيجية. في العقد الماضي، قام العديد من المانحين الأوروبيين، بما في ذلك الوكالة السويدية للتنمية الدولية ، ووزارة التنمية و التعاون الدولي ، ووكالة التنمية النمساوية، و بنك الإستثمار الأوروبي ، بدعم مرافق مخصصة للاتصال الهاتفي أو “مكتب المساعدة“ تركز على حساسية النزاعات. تغطي مكاتب المساعدة هذه بلدانًا بأكملها، أو حتى بلدان متعددة، بمؤسساتها وشركائها، وتستجيب للطلبات المخصصة لتحليل النزاعات، والأبحاث المكتبية، ومراجعات وثائق أو تدخلات محددة.
تعتبر مكاتب المساعدة سهلة الاستخدام بالنسبة للمانحين الذين يعملون فوق طاقتهم. إنهم بارعون في تطوير صورة أكبر لكيفية تعامل المؤسسة الشريكة مع النزاع من المستوى التشغيلي إلى المستوى الاستراتيجي، وبمرور الوقت يمكنهم التنقل في المناقشات والديناميكيات التنظيمية المعقدة. ومع ذلك، فإنها يمكن أن تستثمر قدرًا كبيرًا من الوقت والمعلومات والموارد لتحقيق أقصى استفادة منها ويمكن أن تخاطر بتكرار التحليل بدلاً من البناء عليه في المواقف التي لا يكون فيها متاحًا بسهولة.
وأخيرًا، هناك مرافق لحساسية النزاعات مثل وحدة حساسية النزاعات، ونظيراتها في جنوب السودان، وليبيا، واليمن، وأفغانستان. توفر هذه المرافق العديد من الوظائف المذكورة أعلاه، بما في ذلك بناء القدرات مصحوبة مع القدرة على إنتاج أو تجميع التحليلات مثلما يفعل مركز المعرفة التابع لوحدة حساسية النزاعات في السودان. ومع ذلك، فإن ما يميز هذه المرافق هو قدرتها على التوسط في المحادثات والتعلم بين مختلف الجهات الفاعلة في مجال المعونة، بما في ذلك الجهات المانحة والمنظمات الدولية غير الحكومية والجهات الوطنية الفاعلة في مجال المعونة بطرق تكسر العزلة وتساعد قطاع المعونة على بناء إحساس مشترك بنهجه في التعامل مع النزاعات.
خاتمة
لذا فإن المساعدة متاحة لمنظمات الإغاثة الراغبة في العمل بطريقة أكثر استنارة وقصدا لمعالجة النزاعات. ومع ذلك، في حين أن كل خيار متاح للجهات الفاعلة في مجال المساعدات له نقاط قوة ونقاط ضعف، إلا أن مدى نجاحها سيعتمد غالبًا على كيفية تصميمها واستخدامها في نهاية المطاف. وفي النهاية، ولكي يكون أي توجيه خارجي بشأن حساسية النزاعات مفيدًا، فإنه يحتاج إلى الشركاء المناسبين، والتصميم المناسب لتلبية الاحتياجات المحددة للمنظمة التي يدعمها، والأهم من ذلك، الموارد والمرونة التي تحتاجها للتعلم، وتسليط الضوء على الحقائق غير المريحة والتحديات، و التعاون لإحداث التغيير.
في السودان، تحرص وحدة حساسية النزاعات على مساعدة الجهات المانحة ووكالات المعونة على التفكير في التحديات التي يواجهونها فيما يتعلق بالنزاع ومشاركة التعلم حول الخيارات المتاحة لهم، بما في ذلك مواطن القوة والضعف النسبية وكيفية تطويرها لضمان تلبية الاحتياجات.
UNAMID Protects WFP Food Delivery for IDPs in Sudan (Credit: UN Photo) الصورة من