الاستجابات لجائحة كوفيد-19 في الفاشر والمناطق الريفية في شمال دارفور، السودان

كانت أول حالة إصابة مــؤكدة بــكوفيد-19 في ولاية شمال دارفور بالسودان في مدينة الفاشر في 27 أبريل 2020. وبحلول 25 نوفمبر، أي بعد 7 أشهر، أدرجت الأرقام الرسمية 149 حالة إصابة مؤكدة بفيروس كــوفيد-19 و87 حــالة وفاة في مدينة الفاشر. ومع ذلك، فوفقاً لجان بابتيست جالوبين، فإن الأرقام الرسمية قد قلّلت بشدة من إجمالي إصابات كوفيد – 19 لأن العديد من هذه الإصابات والوفيات لم يتم الإبلاغ عنها رسمياً، مع ضعف توفر  الفحوصاتلمعظم السكان. على سبيل المثال، توفي عدد كبير بشكل غير عادي من كبار السن في المجتمع في مايو 2020 خلال الموجة الأولى في الفاشر. ووصفت السلطات هذه بأنها “وفيات غامضة”. حوالي 32٪ من الوفيات التي تـــــم الإبلاغ عنها في مدينة الفاشر خلال شهر مايو 2020 يشتبه في إصابتها بعدوى كوفيد – 19 وفقاً لدراسة اجرتها جامعة الفاشر.

عندما ظهر الوباء، تشاركت جامعتا الفاشر وتافتس في دراسة آليات إدارة الموارد الطبيعية المجتمعية فيما يتعلق بسبل كسب الرزق. تم إيقاف هذه الدراسة  قبل بدء العمل الميداني مباشرة بسبب قيود الجامعة على البحث الشخصي في المرحلة المبكرة من الوباء. لذلك، حولنا جهودنا لتقييم آثار جائحة كوفيد-19 على سبل كسب الرزق المحلية من خــــلال جمع البيانات عن بعد. هــدفــت دراستنا الصغيرة إلى فهم (1) أنشطة المؤســسات الصحية والمنظمات غير الحــكومية لاحتواء إنتشار كوفيد-19 في شمال دارفور، (2) استجـابات المجتمع لهذه الإجراءات، (3) آثار الإجراءات التي اتبعت على سبل كسب الرزق. وللقيام بذلك، أجرينا مقابلات هاتفية مع المؤسسات الصحية والمنظمات غير الحكومية ومــمثلي المجتمع الريفي.

الإجراءات الوقائية التي اتخذتها المؤسسات الصحية والمنظمات الوطنية غير الحكومية:

كانت الإجراءات الوقائية التي اتخذتها وروجت لها السلطات في شمال دارفور مماثلة لتلك التي شوهدت في جميع أنحاء العالم.

  • قامت حكومة ولاية شمال دارفور بإنشاء لجنة طوارئ حكومية رفيعة المستوى. وقد أغلقت اللجنة حدود الولاية مع بـقية الــولايات والـبلـدان الأخــرى، وعلقت جـميع أنواع النقل والمواصلات، وأغلقت أماكــن التجمعات مثــل المدارس والـمـطاعم والأنـديـة وحتى المساجد (منعت صلاة الجـماعة)، وفرضت حظر تجول يـومي من الساعة 1:00 ظهراً حتى 6:00 صباحاً.
  • _كما أغلقت لجنة الطوارئ رفيعة المستوى الأسواق. على الرغم من أن الأسواق غالباً ما تكون في أماكن مـفتـوحة، إلا أنها مكان يجتمع فيه الناس من مناطق مختــلفة، وغالبا ما يكونون على مقربة شديدة من بعــضهم البعـض، والتعامل مع وتبـــادل البضائع والنقد. في ذلك الوقت، كان يشتبه في أن كوفيد-19 ينتقل بســهولة من خلال اللمس كما هــو الحال في الهواء.
  • _نسقت اللجنة بشكل وثيق مع المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية التي تقدم بانتظام الخدمات الأساسية المتعلقة بالصحة وسبل كسب الرزق. هذا التعاون امتد ليشمل المسائل التقنية والمالية المتعلقة بالجائحة.

             _أعــادت معــظم المنظمات غــير الحكومية بـرمجة أو تعديل بعض أنشطتها الإنمائية طويلة الأجل، على وجه الخصوص تلك التي تتطلب تجمعات من الناس أو اتصال مباشر مع المشاركين في البرنامج. وقدمت المنظمات غير الحــكومية أيضا الدعم المالي واللوجستي للمؤسسات الصحية وقدمت المساعدة في مجال الحماية للمجتمعات المحلية الضعيفة.

آثار الإجراءات الوقائية على سبل كسب الرزق المحلية

أدى إغــلاق الأســواق الحضرية الرئيسية وحظر السـفـر من المناطق الريفية إلى المدن إلى عزل المنتجين الريفيين عن المستهلكين والأسواق الحضرية بشكل  فعلي. وأدى حظر السفر بين الولايات إلى عزل شمال دارفور  حيث لم يعد التجار الأسواق الكبيرة بين الولايات قادرين على جلب المواد المصنعة لبيعها أو شراء المنتجات لإعادتها إلى الأسواق الأكبر.

انخفض الدخل بشدة – وانخفضت أسعار محاصيل المزارعين الريفيين وماشية الرعاة في مناطق الإنتاج، بينما ارتفعت في الـمناطق الحضرية. لم يتمكن العمال من الهجرة إلى مـناطق الإنتاج، وقد قــطع مصــدر دخلهم الأساسي. أدى إغـــلاق الأســـواق إلى انخفـــاض دخل العديد من الأعمال التجارية الصغيرة والتجار الصغار (بائعي الشاي وعمال المطاعم والحلاقين وغسالات السيارات وتلميع الأحذية وأصحاب المتاجر الصغيرة، إلخ). قال جميع المستجيبين تقريبا إن إجراءات احتواء الوباء تسببت في آثار اقتصادية سلبية هائلة، لا سيما على الضعفاء والفقراء، مثل أولئك الذين يعتمدون على العمل اليومي المؤقت للحصول على دخلهم.

ارتفاع أسعار السلع الأساسية – في نفس الوقت الذي انخفض فيه الدخل، شهدت جميع المناطق زيادة مفاجئة في أسعار الوقود والسلع المصنعة مثل الأدوية والسكر والشاي. وعانى المزارعون من نقص في العاملين بأجر، مما أدى إلى زيادة سعر العمالة وبالتالي تكلفة الإنتاج وخفض إجمالي إنتاجهم. شعر الناس في مدينة الفاشر تدريجيا بارتفاع أسعار الـــمواد الغذائية.

تقليص إمكانية الحصول على الرعاية الطبية – أوضح ممثـــلون عن الأمـــم المتحدة والمنظمات غير الحكومـيـة والحكومة والمصادر الأكاديمية خلال المقابلات أن العديد من العيادات الصحية أُغلقت خلال الجزء الأول من الوباء بسبب نــقــص اختبار كوفيد-19 ومعدات الحماية الشخصية بالإضافة إلى نقص الموظفين بسبب الإغلاق. وفي نهاية المطاف، لم تتمكن المرافق التي ظلت مفتوحة في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء من مواجهة الضغط المتزايد وخرجت أيضا عن الخدمة (مقابلة أجرتها اليونيسيف).  مما أدى إلى الآثار السلبية على سبل كسب الرزق، وفقد الناس، ولا سيما أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة، إمكانية الحصول على الرعاية الطبية بسبب نقص الأدوية وإغلاق العديد من العيادات.

الاستجابات المجتمعية لتدابير الاحتواء

أدت هذه الصعوبات الناجمة عن تدابير احتواء كوفيد-19، لا سيما في غياب إصابات واضحة واسعة النطاق بفــيروس كوفيد-19، إلى إحباط العديد من مجتمعات شمال دارفور. قال أحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إن إجراءات الإغلاق وتقييد الحركة “سببت الذعر والخوف للناس”. “وأشار آخر إلى أن الناس عانوا من “اليأس والملل الناتج عن الإقـــــامة الطويلة في المنزل”.

أدى عدم وجود خطورة متصورة  حول الإصابة بعدوى كوفيد-19 بين المجتمعات الريفية، والنتائج السلبية للإغلاق، إلى عدم اتباع العديد من الأشخاص للاحتياطات. ونتج عن غياب أو ضعف الوعي، عدم إتباع المزارعون والرعاة الريفيون التــدابير الوقائية. وحتى في مدينة الفاشر بسبب الأعراف الثقافية، لم يكن الناس مستعدين للتوقف عن مصافحة الأيدي عند التحية واستمروا في حضور مراسم التجمعات الجماهيرية مثل حفلات الزفاف والجنازات.

الدروس المستفادة:

 دروس مهمة للسودان

التخفيف من الآثار السلبية لإحتواء سبل كسب الرزق: دمر الإغلاق اقتصاد الدولة ودمر سبل كسب رزق الناس، خاصة العمال بأجر يـومـي – الأكثر فقراً وضعفاً. كانت الأسباب الرئيسية لعدم رغبة الناس في الالتزام بتدابير احتواء كوفيد-19 والتدابير الوقائية هي عدم وجود إجراءات تخفيف من الحكومة للحد من الآثار السلبية للإغــلاق عــلى ســبـل عيشهم. وكلما طالت مدة تدابير الاحتواء، زاد عدد الأشخاص الذين تضرروا أو تعرضوا للخطر. هذا جعل الناس أقــــل ‘استعداداً بشكل متزايد لإتباع الإحتياطات الصحية على حساب سبل كسب رزقهم. في أزمة الصحة العامة، يجب حمـاية ســبل كسب رزق الناس إلى جانب صحتهم. إذا كان تاريخ انتهاء الإغلاق مؤكداً، فربما كان الناس أكثر عرضة للإلتزام باللوائح.

البنية التحتية للمؤسسات الصحية: في الوقت الذي كانت فيه المؤسسات الصحية أكثر أهمية، عانت المؤسسات الصحية من البنية التحتية الهشة ونقص معدات الحماية الشخصية ومعدات اختبار كوفيد-19. في أزمة الصحة العامة، من أجــــل حماية صحة الناس، يجب حماية المؤسسات الصحية. يجب أن تضمن البنية التحتية والسياسات الصحية استمرار حصول الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة على الرعاية، وليس فقط المصابين بالمرض الوبائي.

دروس مهمة للعالم

الجهود المشتركة للمجتمع الدولي: من أجل التعامل مع أي أزمة مماثلة في المستقبل، ينبغي وضع خطة شاملة لدعم سبل عيش الأشخاص الأكثر عرضة لتدابير الاحتواء. وسيتطلب ذلك التعاون بين المجتمع الدولي، بما في ذلك حكومات البلدان التي تضم السكان الأكثر عرضة للخطر، ووكالات الأمم المتحدة، والمنظمات الوكنية غير الحكومية.

الغموض وعدم اليقين: لم تتمكن السلطات في جميع أنحاء العالم من تأكيد متى سيتم رفع عمليات الإغلاق وحظر التجول أو إعادة فرضها مع موجات المتابعة، ومتى وكيف ستستأنف المؤسسات طاقتها الكاملة، وكيف يمكن للمجتمعات النجاة اقتصاديًا وصحيًا حتى يتم حل الأزمة، ويصبح اللقاح أو العلاج متاحًا عالميًا. مثل هذا الوضع الغامض يجعل الناس خائفين ويشجع البعض على أن يكونوا أقل استعداداً للالتزام باللوائح.

الصورة من إعداد الكاتب: تحضير كمامات كوفيد-19 بجامعة الفاشر.