مارس 31, 2022 | Audrey Bottjen

الإدارة الأهلية في السلام والنزاع: مقدمة تمهيدية للعاملين في مجال العون الانساني

الإدارة الأهلية في السودان هي مؤسسة معقدة تتفاعل مع العدالة والهوية والسياسة والمساعدات فضلاً عن السلام والصراع. تتفاعل العديد من برامج تقديم المعونات مع الإدارات الأهلية على مستويات مختلفة، مثال ذلك أثناء مرحلة تحديد المستهدفين، والتخطيط للوصول، ومن خلال المشاورات المجتمعية 

 تستكشف وحدة حساسية النزاع في هذه المدونة التاريخ المعقد للإدارات الأهلية وتأثيراته على قطاع العون الانساني اليوم خاصة عند العمل في المناطق المتنازع عليها أو المعرضة للصراع. 

: خلفية تاريخية سريعة

تم إنشاء الإدارة الأهلية من قبل السلطات الاستعمارية البريطانية التي تسعى إلى نظام حكم عملي يسمح بالسيطرة الفعالة وباستثمار محدود ورقابة من قبل الدولة.  

بني النظام المكون من ثلاث طبقات الشيوخ، والعمدٌ، والزعماء المحلين (ناظر، وسلطان، ومك، وشرتاي) على أنظمة الحكم العرفية الموجودة مسبقًا والتي ساعدت سابقًا في حل النزاعات المحلية وإدارة الوصول إلى الموارد الطبيعية كما تولت الإدارة الأهلية في الفترة الاستعمارية مسؤوليات جديدة لتنفيذ السياسات، وتحصيل الضرائب، وتجنيد العمالة نيابة عن الحكومة المركزيه. 

في حين أن نظام الإدارة الأهلية قد تضاءل وتقلص منذ انتهاء الفترة الاستعمارية وذلك بسبب ان العديد من أدواره الإدارية تم إدخالها في ظل هياكل الدولة، إلا أنه لا يزال يحتفظ بمساحة كمحاور رئيسي (في كثير من الأحيان متنازع حوله) بين المجتمع المحلي والجهات الفاعلة الخارجية – بما في ذلك الحكومة، والجهات الفاعلة في مجال تقديم الاعانات، أو الكيانات الأخرى.   

: دور الادارة الأهلية في السلام والنزاع 

:العدالة المحلية وإدارة الموارد الطبيعية 

 لعبت السلطات التقليدية تاريخيًا دورًا مهمًا في إدارة النزاعات داخل المجتمعات وفيما بينها من خلال طرائق مختلفة ومتعددة، حكمت في النزاعات وسعت إلى معالجة المظالم من خلال المحاكم الشعبية، توزيع وتخصيص الموارد داخل مجتمعاتهم وإعادة التفاوض باستمرار حول استخدام الموارد الطبيعية مع المجتمعات المجاورة لهم. 

غالبًا ما كانت السلطات التقليدية قادرة على إدارة النزاعات الحقيقية والمحتملة من خلال الالتزام بالحوار والفهم العميق للأرض والناس من حولها. عندما تم إضعاف النظام أو إلغاؤه، كما حدث بين عامي 1971 و1981 كجزء من أجندة “تحديث” الحكم من خلال استبدال السلطات التقليدية بالمجالس الإدارية، ترك ذلك فراغًا حيث لا توجد مؤسسة مسؤولة عن حل النزاعات على المستوى المحلي. 

بالرغم من ذلك لا تتلقى جميع المجموعات معاملة متساوية من الإدارات الأهلية، كما إنهم لا يميلون إلى اتخاذ قرارات تدعم حقوق المرأة وحصولها على الأرض. وفي الوقت نفسه تم استبعاد الرعاة إلى حد كبير من العديد من حقوق الأرض الأساسية الممنوحة للمجموعات الأكثر استقرارًا، والتي يمكن القول إنها ساهمت في بعض النزاعات في نفس الوقت الذي قامت فيه المؤسسة بحل البعض من النزاعات الاخرى.   

:التسيس 

في التسعينيات سعى حزب المؤتمر الوطني الحاكم آنذاك إلى تنشيط الإدارة الأهلية كآلية لتوسيع شبكة مناصريه وتأثيره في المناطق الريفية ومناطق الحروب والنزاعات “تم إحضار بعض المسؤولين في الادارات الأهلية إلى معسكرات تدريب خاصة وتم توجيههم حول كيفية أن يصبحوا” مبشرين “لنشر التعاليم الإسلامية.” 

 كما تم إنشاء تسلسل هرمي للإدارة المحلية الجديدة في معسكرات النازحين أولئك الذين فروا من الحرب في المناطق المتضررة من النزاع في السودان. كان الغرض من هؤلاء المسؤولين المعينين حديثًا هو المساعدة في بسط سيطرة الدولة على الجماعات التي كانت في صراع مع الدولة. كانت إحدى مسؤولياتهم تعبئة النازحين للمشاركة في التجمعات السياسية المؤيدة لحزب المؤتمر الوطني. 

في حين أن الإدارات الأهلية لم تكن دائمًا لديهم الوسائل لمقاومة هذا التسيس، فإن هذا التسيس قد ساهم في تقويض مصداقيتهم بين العديد من المجموعات. شهدت ثورة 2018-2019 توترًا متزايدًا بين الإدارات الأهلية والمجموعات الشابة الأخرى في كثير من الأحيان، مثل لجان المقاومة أو المجموعات النسائية. في بعض مخيمات النازحين داخليًا، استجابت هذه المجموعات للتحولات السياسية من خلال محاسبة الشيوخ المحليين الذين يُعتقد أنهم فاسدون، والإصرار على إبعادهم، وعلى أشكال جديدة من المساءلة بشأن تسليم المساعدات الغذائية.   

:القبلية مقابل الهوية الوطنية 

 ساعدت الإدارة الأهلية المتجذرة في التقاليد القبلية وليس الحركات القومية، في تشكيل النقاشات الجارية حول أساس الهوية القومية أو القبلية في السودان. بدأ هذا خلال الفترة الاستعمارية، عندما سعت السلطات البريطانية إلى استخدام الإدارة الأهلية كأداة ثقافية وسياسية لإخماد المشاعر القومية المتزايدة للاستقلال عن طريق زيادة الأهمية السياسية للقبيلة وجعل من الصعب أو غير المرغوب فيه للقبائل أن تتحد معًا أو السعي وراء الاستقلال الوطني. تم استخدام هذا التكتيك منذ ذلك الحين من قبل الأنظمة المتعاقبة لسياسات مماثلة لـ “فرق تسد”   

تصبح قوة “القبيلة” كوحدة سياسية أكثر قوة بسبب حقوق “القبيلة” على الأرض، من خلال أنظمة استخدام الأراضي التي تخصص “الإدارات او الحواكير” أو الأوطان لمجموعات معينة بناءً على هويتهم القبلية. إن استخدام الهوية القبلية كأساس للمشاركة السياسية وإدارة الموارد الطبيعية هو أصل بعض النزاعات في السودان، وهو متشابك بشدة مع مؤسسة الإدارة الأهلية. 

نتيجة لذلك فإن للإدارة الأهلية مؤيدين ومعارضين. يجادل الأول بأن تعزيز النظام الاهلي ضروري للحد من النزاعات لأن لديهم بالفعل سجل حافل في حل النزاعات بطرق مناسبة محليًا ويمكنهم الاعتماد على احترام أفراد المجتمع في الوقت نفسه، يدعو آخرون إلى إلغاء المقاربات القبلية في السياسة، التي يزعمون أنها تسبب الانقسام بطبيعتها، وتهدف إلى زيادة المنافسة القبلية وإعاقة الوحدة الوطنية.   

:التداعيات على العاملين في مجال تقديم الإعانات

 تعد الإدارة الأهلية من اهم دوائر المناصرة للعاملين في مجال تقديم الإعانات وذلك من خلال تصميم وتنفيذ أنشطة الإعانة لأنها تساعد المنظمات في اختيار المستفيدين واختيار مواقع المشروع والتفاوض بشأن الوصول إليهم. ومع ذلك، فإن الإدارة الأهلية كنظام والعديد من قادة الإدارة الأهلية كأفراد قد يكون لديهم أعباء سياسية يمكن أن تثقل كاهل برامج الإعانة بتحديات وتصورات غير متوقعة. 

وبالتالي، يجب على الجهات الفاعلة في مجال الإعانات أن تكون حريصة على العمل بطريقة تكميلية وداعمة مع الإدارة الأهلية التي تعزز السلام، والتعلم من النهج العرفي للحوار المحلي والمعرفة العميقة للسياقات المختلفة. ومع ذلك، فإن الحصول على المعلومات من مصادر متنوعة وفهم الديناميكيات المحلية من خلال التحليل الرسمي وغير الرسمي المستمر أمران ضروريان لفهم التصورات المحلية لكل من المؤسسة والأفراد المرتبطين بها، وتزويد الجهات المعنية بتقديم الإعانات بالتحليل الذي يحتاجون إليه لمعرفة حساسية النزاعات وتجنب المساهمة فيها بالطريقة التي من الممكن ان تؤذي هذه المجتمعات بدلا عن مساعدتها.