مايو 15, 2024 | Hassan Alattar Satti

نحو دور مراعٍ لحساسية النزاع للمنظمات القاعدية العاملة في الحماية الاجتماعية في السودان

بقلم: حسن العطار ساتي

هذه المدونة هي السادسة من سلسلة “وصول العون الإنساني والعمل المحلي ومعضلات حساسية النزاع في السودان منذ أبريل 2023” والتي تعرض وجهات نظر مختلفة مهمة من أجل إستجابة مساعدات انسانية مراعية  لحساسة النزاع في السودان. وبالضرورة لا تعكس سلسلة منشورات المدونة آراء وحدة حساسية النزاعات ولا آراء جميع الجهات الفاعلة المشاركة في الاستجابة. ومع ذلك، نأمل أن تساهم هذه السلسلة في المناقشات الجارية حول الاستجابة للمساعدات الإنسانية وأن تشجع القطاع على تقييم الآثار الأوسع لأفعاله على تعزيز السلام في السودان

أدى عام من النزاع إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الحادة في السودان. هذه الأزمة متجذرة بشكل عميق في سوء الحوكمة والذي طالما اتسم بتركيز السلطة والثروة بين شبكة من النخب العسكرية والمالية والسياسية. هي أزمة سياسية تمتد جذورها إلى تاريخ طويل من الإفلات من العقاب وانتهاكات حقوق الإنسان؛ ونشر الميليشيات واستخدامها من قبل الحكومات المتعاقبة كوسيلة لمواجهة التمرد؛ فضلا عن عمليات انتقال السلطة الداعمة للعنف

في دراسة حديثة أجراها معهد الدراسات التنموية، إستقصى فريق من الباحثين حساسية النزاع المتعلقة بالاستجابة الإنسانية الجارية للأزمة مع التركيز على كيفية تعزيز طرائق الاستجابة المقادة محلياً. وتمثل هذه المنظمات القاعدية وغيرها من أشكال الدعم المحلي سمة بارزة للحماية الاجتماعية في السودان. حيث تعمل أشكال مختلفة من المجموعات التطوعية ذاتية التنظيم على تقديم الخدمات الإغاثية لمجتمعاتها بشكل فعال، لا سيما في المناطق التي لا يمكن للجهات الفاعلة في مجال المساعدات الرسمية الوصول إليها

دور الاستجابة المجتمعية

تعتبر هذه الأشكال المحلية من المساعدة الاجتماعية ذات أهمية كبيرة في ظل ظروف بالكاد تعمل فيها الدوائر الحكومية، و في ظل العجز الكبير في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية. إن دور الشبكات والمجموعات المحلية في الاستجابة لهذه الطواريء الإنسانية مهم وملحوظ على اعتبار أنه دور يتصدى له الناجون من الأزمة بأنفسهم

ومع التدهور الاقتصادي المستمر في البلاد، أصبحت قدرات هذه الاستجابة المحلية ضعيفة للغاية. وكلما طال أمد الأزمة، كلما أصبحت الهياكل المحلية أكثر إرهاقاً واستنفذت قدراتها لأنها تعتمد على الموارد المحلية التي يتم استنزافها باستمرار نتيجة للنزاع. إن دعم أنشطة الحماية الاجتماعية لهذه المجموعات مثل المطابخ المجتمعية وإيواء النازحين داخلياً سيعزز الاستجابة الإنسانية لحالة الطوارئ المعقدة في السودان؛ كما أنه سيعزز هذه النماذج المتطورة للمساعدة الاجتماعية. تسلط هذه المدونة الضوء على أنشطة الحماية الاجتماعية القائمة على المجتمعات المحلية، وخاصة المساعدات الغذائية والتحويلات النقدية، وتستكشف تحديات حساسية النزاع في عملهم والكيفية التي يمكن للجهات الفاعلة في مجال المساعدات الخارجية أن تدعمهم بها بشكل أفضل

حساسية النزاع في المساعدة الاجتماعية للفاعلين المحليين

يحتل مفهوم حساسية النزاع طيفاً واسعاً يمتد من المعنى الضيق الذي يركز على “عدم الإضرار” إلى المعنى الأوسع الذي يشارك من خلاله العاملون في المجال الإنساني بنشاط في تعزيز السلام عندما يجدون بيئة مواتية للقيام بذلك. وتعني حساسية النزاع تطوير فهم شامل للطريقة التي قد تتفاعل بها تدخلات الحماية الاجتماعية مع السياق الذي يتم فيه تقديمها؛ واستخدام تلك المعرفة لمنع تغذية النزاع، وحيثما أمكن تعزيز السلام والعدالة الاجتماعية

وعلى الرغم من أن المنظمات القاعدية لا تستخدم مصطلح “حساسية النزاع”، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يفسّر على أنها غافلة عن النزاع أوالسلام، بل إن شأنها في ذلك شأن معظم الجهات الفاعلة الإنسانية الأخرى في السودان، فهم يستخدمون ويطبقون حساسية النزاع بالمعنى الضيق المتمثل في “عدم الإضرار”، ويلتزمون بالمبادئ الإنسانية ويدركون الفجوات في قدراتهم ويحاولون سدها بفاعلية

إن أحد السلبيات الرئيسية المتعلقة بحساسية النزاع بالنسبة للمنظمات القاعدية هو مشاركة النساء والفتيات، لا سيما في المناطق التي تكون فيها الأعراف الاجتماعية التي تعارض مشاركة المرأة قوية للغاية. وغالبًا ما تُقابل محاولات الجهات الفاعلة في مجال الإغاثة لمعالجة هذه القضية بمشاركة سطحية من النساء بهدف استدامة تمويل برامج المساعدة الاجتماعية. يُعزى نجاح المنظمات الوطنية غير الحكومية في بعض السياقات إلى النهج التكتيكي الذي تتبناه والذي تعترف من خلاله بدور الهياكل المجتمعية، وتفتح من ثم النقاشات بشكل تدريجي حول مشاركة المرأة. وبينما يأتي اقصاء النساء و استبعادهن مصحوباً بخطر تقويض كفاءة حماية المرأة في النزاع، فإن المنظمات القاعدية لن تستفيد في الوقت نفسه من نقاط القوة العديدة التي قد يمكن للمرأة تقديمها في منع النزاعات والوساطة

ومن السلبيات الأخرى المتعلقة بحساسية النزاع هي أن المنظمات القاعدية تعتمد في كثير من الأحيان على العلاقات الاجتماعية مما يعني أن المستفيدين هم أعضاء في عشيرة معينة أو مجموعة معيشية أو حي معين. وهذا التركيز على العلاقات يمثل تهديداً بالتمييز ضد الفئات الأكثر ضعفاً لأنهم غالباً ما يكونون الأقل ارتباطاً بهذه المجموعات، وبالتالي فمثل هذا الإقاصاء يمكن أن يغذي التوترات الاجتماعية

ومن الناحية العملية، فإن تشجيع الشبكات المحلية للقيام بدور أكبر يمكن أن يؤدي إلى تعزيز أو تقويض حساسية الاستجابة للنزاع. وتعد التقييم الدقيق للشركاء واختيارهم، كجزء من سياق أوسع نطاقاً، وتحليل النزاع، أموراً ضرورية. ومن المهم جداً إدراك التباين في القدرات والترتيبات التشغيلية بين المنظمات القاعدية، وعدم افتراض أن كل منظمة قاعدية تتمتع بذات المستوى من الثقة والمشاركة المجتمعية داخل المجتمعات التي تخدمها

الجهات الفاعلة في مجال المساعدات الخارجية والمساعدة الاجتماعية المجتمعية المراعية لحساسية النزاع

لقد تبلور الاعتراف المتزايد بدور الشبكات المحلية في التعاون بينها وبين الوكالات الإنسانية الوطنية والدولية. وقد ساهم هذا التعاون في سد جزئي لفجوات التمويل والمعرفة، كما عزز المساعدات الفعالة المقادة محليا في السودان

إن دعم أنشطة الحماية الاجتماعية للجهات الفاعلة المحلية لديه القدرة على تعزيز حساسية النزاع. ومع ذلك، فإن تفاقم الأزمة السياسية في السودان وتحولها إلى حرب واسعة النطاق قد زاد من مخاوف الفاعلين الإنسانيين بشأن تأثير النزاع وهشاشة الأوضاع على تصميم وتنفيذ تدخلات الحماية الاجتماعية

تواجه الجهات الفاعلة في مجال العون الإنساني العديد من التحديات السياقية في تفعيل حساسية النزاع، ويشمل ذلك تركيز سياسات المساعدات على تحقيق الاستقرار على المدى القصير عوضاً عن الإصلاحات على المدى الطويل؛ وحقيقة أن حكومة السودان طرف في النزاع ولكنها في الوقت نفسه مسؤولة عن تسهيل المساعدات للبلاد؛ وحجم العنف والنزوح الذي يعيق العمليات الإنسانية ويحد من الوصول إلى الأشخاص المتضررين

كما تواجه الشبكات المحلية تحديات ومخاطر محددة تتعلق بحساسية النزاع. حيث تلعب الحكومات المحلية دوراً معيقاً من خلال فرض عقبات بيروقراطية على المبادرات المحلية، تقوض حساسية النزاع من خلال الحد من الاستجابات المقادة محلياً بشكل تام. وفي حين أن العديد من الجهات المانحة ترغب بشكل متزايد في الشراكة مع المنظمات القاعدية، إلا أن بعضها لا يزال متردداً في القيام بذلك لأن هذه المنظمات لا تستوفي متطلبات العناية الواجبة. إن إحجام بعض المانحين عن دعم المبادرات الشعبية القاعدية يحد من قدرة هذه الجهات على الاستفادة من فهم الفاعلين المحليين لديناميات النزاع في السياقات التي ينشطون بها

وكوسيلة لتعزيز حساسية النزاع، يسلط الفاعلون الإنسانيون في السودان الضوء على الحاجة إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لمعايير الاستهداف، لضمان الوصول إلى الفئات الأكثر تهميشاً في المجتمع ودعمها. ومع ذلك، فإن الأموال التي تخصصها الجهات الدولية، الفاعلة في مجال المساعدات للمنظمات القاعدية ضئيلة، كما أن معايير انفاق الوكالات الدولية ليست واضحة دائمًا، مما يهدد بإثارة التوترات على المستوى المحلي. وفي الواقع، هناك أمثلة من الخرطوم وغيرها من الأماكن المتأثرة بالنزاع للتحويلات النقدية الجماعية حيث يتم استخدام النقد في إطار نظم شاملة مثل المطابخ المجتمعية. وتتمثل ميزة هذا النموذج في أنه يستخدم الأموال المتاحة لتغطية احتياجات المجتمع بأكمله. وفي الوقت الذي تكون فيه أموال المساعدات الإنسانية محدودة، فإن هذا يمكن أن يمنع التوترات الاجتماعية حول المعايير المستخدمة لاختيار المستفيدين

كيف يمكن للمساعدات الرسمية أن تعزز حساسية الاستجابة المحلية للنزاع؟

في حالات الطوارئ المعقدة مثل حالة السودان، غالباً ما تتمثل ردة الفعل الطبيعية للمانحين في تشديد أنظمتهم وإحكام السيطرة عليها. ومع ذلك، فإن شجاعة المنظمات القاعدية في الخطوط الأمامية توفر فرصة عظيمة للقيام بخلاف ذلك تماماً. لذا ينبغي لوكالات العون الإنساني أن تعتمد على دور المنظمات الوطنية غير الحكومية الموثوقة كوسيط بين نظام المعونة الدولي والهياكل الشعبية القاعدية. إن التحدي الحقيقي لا يتمثل في الافتقار إلى الفاعلين المحليين الجيدين، بل في قدرة الفاعليين الدوليين على العثور على فاعلين محليين جيدين وتحديد أفضل السبل لدعمهم

لقد أحرز المانحون بعض التقدم الإيجابي فيما يتعلق بتعزيز حساسية النزاع من خلال أنظمة إدارة التمويل. وفيما يتعلق بالمبادرات التي يقودها المجتمع المحلي، فقد تم تحقيق ذلك من خلال تسهيل شروط التمويل لغرف إستجابة اللطوارئ. وقد قبل صندوق السودان الإنساني إعادة برمجة التكاليف التي نفذتها الجهات التي مولت من منح الصندوق خلال الأسبوع الأول من الحرب وسمح بتحويل الأموال من خلال طرق أخرى غير النظام المصرفي الرسمي. ويبحث صندوق بناء السلام حالياً طرقاً لتخصيص الأموال للآليات المجتمعية والفاعلة في بناء السلام. توفر هذه المبادرات فرصاً جيدة للتعلم المشترك من برامج الحماية الاجتماعية التي يقودها الأشخاص ومنظماتهم بطريقة تراعي ظروف النزاع

عن المؤلف

حسن العطار ساتي، باحث ومستشار مستقل. وهو زميل زائر في مركز فينشتاين الدولي منذ عام 2018. وقد قاد حسن وشارك في مشاريع بحثية إنسانية مختلفة في السودان. وتتمحور اهتماماته البحثية حول إدارة الموارد الطبيعية، والقدرة على التكيف مع سبل العيش، والحماية الاجتماعية والنزاعات المحلية. عمل حسن سابقاً مع العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية في مناطق مختلفة في السودان لأكثر من ثمانية سنوات

تصوير:عمار ياسر محمد