مارس 25, 2024 | Audrey Bottjen

ماذا يمكن أن يعلمنا ماضي السودان؟ – الجزء الثاني: توصيات لمنهجية وصول المساعدات في الوقت الراهن

إن تحديات وصول المساعدات الإنسانية في السودان ليست جديدة، فقد استمرت عملية التحكم في امكانية الوصول او منعه من قبل الجهات الفاعلة في النزاع لتحقيق أجندتها السياسية والعسكرية والاقتصادية لمدة 40 عامًا على الأقل، مع ما يترتب على ذلك من آثار خطيرة على الخسائر البشرية، فضلاً عن طبيعة النزاعات في السودان. وقفت المدونة الأولى في هذه السلسلة المكونة من جزأين على الدروس المستفادة من تاريخ وصول المساعدات في السودان وبينتها لمساعدة الجهات الفاعلة في مجال العون على فهم الآثار واسعة النطاق لتحديات الوصول ومناهجه. وتسعى هذه المدونة إلى ترجمة هذه الدروس إلى توصيات للجهات الفاعلة في مجال السياسات والمعونة المنخرطة حالياً في قضايا الوصول.

يجب أن تضمن مبادئ قطاع العون، وسياساته وممارساته المتعلقة بامكانية الوصول، وصول المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة إليها وألا تصبح سلاحًا في الحرب. وهذا أمر بالغ الأهمية حيث تتجه البلاد إلى موسم جوع كارثي، مع احتمال حدوث مجاعة جماعية وما يرتبط بها من آثار على الهشاشة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. إن حجم الكارثة الوشيكة بلغ حداً يجعل المساعدات الدولية غير قادرة على تجنبها، حتى مع إمكانية وصولها بالكامل، لهذا يتعين علينا أن فعل المزيد لمحاولة احتوائها.

وهي تحديات شاقة، ولكن الدروس المستفادة من الماضي وتحليل الحاضر من الممكن أن تساعد في منع استخدام المساعدات (مرة أخرى) كسلاح في الحرب، وقد تساعد بدلاً من ذلك في تحسين الآفاق البعيدة المدى لشعب السودان.

ربط مبادئ المساعدات بالواقع على أرض الواقع

تشير التجربة الإنسانية مع “القواعد الأساسية” لعملية شريان الحياة و”مبادئ المشاركة” لبرنامج جبال النوبة للنهوض بتحويل النزاع إلى أن مناهجنا وأساليبنا في تطوير واستخدام المبادئ يجب أن تكون قوية على مستويين. أولاً، يجب أن تكون مسترشدة بالضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية على إمكانية الوصول، كما هو موضح في المدونة الأولى[1]. ثانياً، يجب أن تكون بسيطة، ومفهومة من قبل جميع العاملين في بيئة العمل – بما في ذلك المجتمع السوداني – وخاضعة للمناقشة والاختبار والتعلم.

تم الاتفاق على مبادئ العمل المشتركة (JOPs) بعد وقت قصير من اندلاع النزاع في العام 2023. وبينما تم العمل على تدريب ومشاركة مبادئ العمل المشتركة مع الجهات الفاعلة في مجال العون والجهات الحكومية والعسكرية، إلا أن هذا العمل لم يشمل المجتمع بأكمله بعد، وهناك عدد قليل من المساحات الآمنة لمناقشة ما تعنيه مبادئ العمل المشتركة في الممارسة العملية[2]. تعتبر مثل هذه المشاركة والنقاش مهمة لمساعدة الجهات الفاعلة في مجال العون على أن تكون شفافة وخاضعة للمساءلة أمام المجتمعات السودانية، كما أنها تمكن السودانيين من المشاركة في ممارسة الضغط على هياكل السلطة للسماح بوصول المساعدات إلى الفئات الضعيفة من السكان.

ومن الناحية العملية، يمكن للجهات الفاعلة في مجال العون أن تساعد في جعل مجال المشاركة هذا أكثر قوة من خلال:

  • تحديث وتبسيط مبادئ العمل المشتركة لتصبح صفحة واحدة، وترجمتها إلى اللغة العربية، بحيث يمكن مشاركتها وفهمها ومناقشتها بسهولة من قبل جميع أصحاب المصلحة في قطاع العون، بما في ذلك المجتمعات السودانية.
  • استخدام مبادئ العمل المشتركة كفرصة لمجتمع المعونة للذهاب إلى أبعد من “عدم إلحاق الضرر”. وكما هو الحال في برنامج جبال النوبة للنهوض بتحويل النزاع، يمكن لمبادئنا أيضًا أن تسعى إلى تقديم مساهمات في بناء التماسك الاجتماعي والمرونة والقدرة على الصمود في مواجهة النزاع، وبالتالي التخفيف من انتشار النزاع وجوانب الهشاشة والضعف المرتبطة به.
  • إنشاء آلية لتبادل البيانات والتحليلات حول كيفية عمل أو عدم عمل مبادئ العمل المشتركة، وخلق مساحات آمنة لهذه المناقشات، وتعزيز التعلم والتكيف لتحسين المبادئ والالتزام بها.
  • الاعتراف بأن الجهات الفاعلة في مجال العون لن يكون بمقدروها الوصول إلى أقلية من المحتاجين بسبب قيود الميزانية والأمن والبنية التحتية. لذلك، يجب أن تدعم مبادئنا وأهدافنا الآليات والعلاقات المحلية التي تمثل خط المواجهة الأول لمعظم الفئات السكانية الضعيفة في جميع أنحاء السودان.

الاستثمار في التحليل والتخطيط وتحديد الأولويات

إن التحليل السياقي القوي هو الخطوة الأولى نحو اتباع منهج فعال ومراعٍ لحساسية النزاعات لإدارة معضلات إمكانية الوصول. إن التداعيات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تمت مناقشتها في المدونة الأولى يجب أن تُفهم ليس فقط على المستوى الوطني، ولكن أيضًا في كل سياق يتم فيه نقل المساعدات وتخزينها وتوزيعها. ويتطلب ذلك قدرات وأدواراً مخصصة للتحليل، ومشاركة متعمدة لوجهات نظر متنوعة. تمثل المناهج القائمة على المناطق والتي يستكشفها قطاع المساعدات حالياً أساساً قوياً وقاعدة متينة لذلك، ولكنها تتطلب شمولاً وإشراكاً للمجتمعات ذو مغزي ومدروساً بصورة أكثر تأنياً[3]. سيؤدي تحسين الحوار مع المجتمعات المدنية السودانية إلى تحسين جودة التحليل وتحديد الأولويات والتخطيط – والمهام التي ستصبح أكثر صعوبة وحساسية مع تقدم موسم الجوع. وتشمل الخطوات المحددة في هذا الاتجاه ما يلي:

  • يجب أن تشتمل المشاريع على بنود في الميزانية لقدرات التحليل والتنسيق التي تعطي الأولوية للمعرفة المحلية على الخبرة الفنية الدولية. وينبغي أن يسترشد بهذا التحليل التنسيق وخطط العمل ونواتج المشروع على المستويين الوطني ودون الوطني.
  • يجب على الجهات المانحة ورئاسات المؤسسات تشجيع أساليب الرصد والتقييم التي تحتفي بالتعلم (بما في ذلك التعلم من حالات الفشل)، وتبادل ومشاركة الدروس، والتقييمات النوعية للأثر، بدلاً من الاعتماد فقط على أعداد الأشخاص الذين تم الوصول إليهم.
  • إدراك أن أهداف إمكانية الوصول قصيرة المدى يمكن أن تؤدي إلى تفاقم دوافع النزاع على المدى الطويل. ويشمل ذلك المشتريات التي توفر الموارد للجهات الفاعلة في النزاع، والمفاوضات التي توفر الشرعية للجهات الفاعلة المسلحة، والطرق التي تؤثر بها المشاريع على العلاقات المجتمعية وأنماط استخدام الأراضي. ينبغي لمجموعة التنسيق بين المجموعات (ICCG) والفريق القطري للعمل الإنساني (HCT) دعم الأطر القادرة على الاعتراف بهذه المقايضات واتخاذ قرارات مدروسة وصائبة عند ظهور هذه المعضلات، وذلك باستخدام مبادئ العمل المشتركة كنقطة مرجعية.

المفاوضات والمشاركة

أن المفاوضات ممارسة سياسية بالضرورة، وتتطلب فهم المواقف والاحتياجات والمصالح المختلفة على مستويات متعددة، فالقرارات المتعلقة بمن نشركه في المفاوضات، وما الذي نتفاوض من أجله، وكيف نتفاوض، لا تشكل نتائج المفاوضات فحسب، بل تؤثر أيضًا على العلاقات بين الأطراف المعنية. وفي السياق الحالي، يطرح هذا تحديات وفرصًا بسبب حساسية النزاع. وتشمل الاعتبارات أو التوصيات المحددة لإدارة هذه الأمور ما يلي:

  • إدراك أن هناك العديد من أصحاب المصلحة الذين لديهم مجموعات متنوعة، وأحيانًا متباينة، من المصالح داخل كل مجموعة يتفاعل معها قطاع العون (مثل القوات المسلحة السودانية، ومفوضية العون الإنساني، وقوات الدعم السريع، وغيرها).
  • أن نكون على دراية بكيفية تشكيل الديناميكيات المجتمعية والسياسية على مدى العقود القليلة الماضية للعلاقات، تنافسية كانت أو تعاونية. وأن نبحث عن علاقات على مستويات مختلفة مع مجموعات متعددة من الجهات الفاعلة داخل المجتمعات، بما في ذلك القطاع الخاص والسلطات المحلية والمجتمع المدني ومجموعات الشباب والنساء لفهم نطاق الاهتمامات والاحتياجات بشكل أفضل.
  • بناة السلام هم مجموعة من الجهات الفاعلة ناقصت المشاركة بشكل خاص تتمتع بالخبرة في الحوار والوساطة، والقدرة على تقديم المشورة بشكل هادف حول أولويات الوصول وتكتيكات التفاوض. وتلعب السلطات التقليدية هذه الوظيفة أحيانًا، ولكن ليس دائمًا. ومن المهم أيضًا اعتبار إشراك الأكاديميين والمجتمع المدني والمنظمات المجتمعية.
  • توخي الحذر تجاه المحاولات التي تقوم بها الجهات المسلحة لتحويل قيادة المساعدات والاهتمام الدبلوماسي والموارد نحو المفاوضات أو طلبات الأدلة المقدمة بسوء نية، بما في ذلك كجزء من استراتيجيات تأخير أو عرقلة المساعدات.

خطط الاتصال والتواصل

يشير تاريخ السودان إلى أن المشاركة المجتمعية القوية تدعم مفاوضات وصول المساعدات من خلال زيادة المشاركة العامة والضغط على الجهات المسلحة، وتحسين جودة الاستجابة للمساعدات. علاوة على ذلك، فهي تبني مصداقية وقبول الاستجابة للمساعدات حيث تصبح المجتمعات أكثر وعياً بنوايا المساعدات وقراراتها، كما تمنحها فرصة للعب دور حاسم في المساءلة. وتشمل الخطوات التي يمكن اتخاذها في السياق الحالي ما يلي:

  • وضع استراتيجية اتصالات للتعامل والتفاعل مع المجتمعات وإشراكها. يجب أن يوضح قطاع العون ويتحمل المسؤولية عن الاستجابة المبدئية للمساعدات حيث لا يكون الوصول إليها مقيداً لأسباب سياسية أو عسكرية. وهذه فرصة مهمة لبناء الوعي العام والضغط على الجهات المسلحة وسلطات الأمر الواقع للسماح بالوصول.
  • البحث عن المزيد من الطرق للاستماع إلى التعليقات والملاحظات الواردة من المجتمعات السودانية، والتصرف بناءً عليها. ومن الممكن أن يدعم الحشد الجماهيري ووسائل التواصل الاجتماعي المساءلة في اتجاهات متعددة. يمكن للمجموعات الاستشارية وقيادات المجتمع المدني من مناطق متنوعة في جميع أنحاء البلاد أيضًا إعلام الجهات الفاعلة في مجال العون وتقديم المشورة لها حول كيفية متابعة تخطيط ومناهج إمكانية الوصول.

——-

لقد تم تسييس وإضفاء الطابع العسكري على وصول المساعدات إلى السودان منذ فترة طويلة؛ وتندمج هذه الديناميكيات في العديد من الطرق التي يتفاعل بها نظام المساعدات مع المتطلبات البيروقراطية والأمن والدبلوماسية. وتخبرنا تجارب السودان منذ الثمانينات أن مناهج وطرق الوصول التي لا تفهم هذه الديناميكيات تخاطر بالمساهمة في النزاع. يجب أن تكون مبادئنا وأنظمتنا ومناهجنا قادرة على فهم التعقيد، مما يساعدنا على اتخاذ القرارات الصعبة والتصرف بناءً عليها بطريقة مجدية وهادفة.

[1] لمزيد من التفاصيل حول هذا، يرجى الاطلاع على المدونة الأولى في هذه السلسلة، وقد تمت الإشارة ألى مصادر إضافية في تلك المدونة. ماذا يمكن أن يعلمنا ماضي السودان؟ دروس الوصول الإنساني من عملية شريان الحياة وبرنامج جبال النوبة لتعزيز تحويل النزاع.

[2]    وينبغي أن يشمل ذلك الجهات الفاعلة مثل شركات النقل التجارية التي تنقل المساعدات أو المستجيبين المحليين.

[3] لمزيد من المعلومات حول تحليل وحدة حساسية النزاعات للمناهج القائمة على المناطق وقابلية التطبيق في السودان، راجع هذه المدونة المنشورة في أكتوبر https://dzo.kei.mybluehost.me/ar/benefits-and-challenges-of-an-area-based-approach-to-programming/